وحينما أفاقت .. لم تفق

انت لحظة حاسمة في حياتها، فقد انتظرت مولودها الأول بفرح يملأ الدنيا، دخلت المستشفى بكامل لياقتها الصحية والذهنية والوجدانية، لكنها خرجت منه إنسانة أخرى، لا تكاد تعرف نفسها، فما بالك بغيرها؟
لضرورات الولادة، غابت عن الوعي بفعل التخدير، وتمت عملية الولادة بنجاح، ورأى ابنها النور، لكنها لم تره، حين أفاقت من «البنج» كان أبوه يترصده، حمله معه، واختفى، وحينما أفاقت، لم تفق! فقد ذهب عقلها، نعم أفاقت من «البنج» لكن ذهب عقلها معه، وانهارت أعصابها تماما، وحينها عادت إلى بيت أبيها، وزوجة أبيها، وكان لا بد من أن تعود إلى المستشفى، ولكن هذه المرة لتعاطيها علاجا نفسيا، ومكثت هناك فترة طويلة، وفي الأثناء توفي والدها، ولم يبق لها من الدنيا إلا أخ فقير لا يستطيع دفع تكاليف العلاج، وفي الوقت نفسه لا يستطيع ضمها إلى أسرته، لأنها مريضة نفسيا، وزوجة أخيها تخافها، رغم أنها غير مؤذية، فهامت على وجهها، وتحرك اهل الخير فوضعوها في بيت للمسنين، ولكن حتى هذا البيت يحتاج إلى مصاريف، فلم يحتملها، وعادت إلى الشارع، فتاة في الثلاثين من العمر، يمكن أن تصبح ضحية لوحش بشري جائع، ومرة أخرى تحرك أهل الخير، وحاولوا البحث عن بيت يأويها، ولكن بلا فائدة، وإن استطاع هؤلاء جمع نحو مئتي دينار لدفعها لمركز الأميرة منى للمسنين، وهو مبلغ يكفي لتغطية كلفة وجودها هناك لمدة شهر فقط، الآن هي هناك، تقوم على خدمة المسنين، ولكن لمدة شهر فقط، وبعده ثمة مشكلة لمن يهتم بها من أهل الخير، أين يذهبون بها؟
حتى الآن لم تكتحل عيناها برؤية ابنها الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام، لم تره ولم يرها، وهو –حسب ما توافر من معلومات- يعيش في كنف والده الذي تزوج وضمه إلى أسرة وأم يحسبها أمه، وأمه الحقيقية في مكان آخر!
قصة تبدو انها تصلح مادة لمسلسل تلفيزيوني طويل، ناشطة في مؤسسات المجتمع المدني اقترحت إجراء عملية استئصال رحم للمستورة، كي لا يفترسها وحش بشري فتحمل منه، بدلا من إيجاد مأوى لها، طبعا هذا حل متوحش، فالأولى أن يتحرك أهل الخير لتأمين مبلغ المئتي دينار شهريا لضمان ديمومة سترها في بيت العجزة والمسنين، كي تقضي بقية حياتها فيه، أو يفتح الله عليها برؤية ابنها، لعله يعيد عليها عقلها!.
لا أحد يعرف على وجه التحديد لم فعل بها زوجها هذه الفعلة الشنعاء، فهي غائبة العقل، وأخوها لا يعرف هذا السر أيضا، ربما هذا ليس مهما الآن، المهم أن نجد من يتعهد هذه السيدة المعذبة، سواء كانت جهة ما، أو فاعل خير، لتأمين إيوائها بدلا من بقائها في الشارع، مع ما يكتنف هذا الخيار من مخاطر غير خافية على احد!