المجلس الوطني .. مكانك سـر !

خرج المجلس الوطني السوري من اجتماعات الدوحة “الماراثونية”، بمثل ما دخل إليها...”المهرجان الموسع” الذي عقده برعاية أبوية مشتركة، قطرية – تركية، لم يجب على أيٍ من الأسئلة والتحديات التي أفضت إلى تراجع مكانته وانهيار ثقة السوريين وكثيرين من حلفائهم به...وليس ثمة ما يدعو للتفاؤل بقدرة المجلس على التعامل مع تحديات المرحلة الانتقالية لسوريا، برغم الطابع الاحتفالي الذي أحاط باجتماعاته، والتغطية الإعلامية الكثيفة (الموجهة) التي حظي بها.
جورج صبرا، المسيحي الشيوعي (جناح المكتب السياسي)، يقفز إلى رئاسة المجلس في انتخاب هو أقرب للتعيين، بعد أقل من 24 ساعة، من سقوطه المدوي في انتخابات المجلس لأمانته العامة...كيف يعقل أن يفشل رجل في كسب ثقة 420 عضواً من “جماعته وتياره”، ويُراد له أن يكسب ثقة الشعب السوري بأكمله أو بغالبيته العظمى...كيف يمكن لرجل سقط في انتخابات الأمانة العامة اليوم، أن ينصب لقيادتها غداً؟...أسئلة برسم “إخوان سوريا” على وجه التحديد، الذين تعاملوا منذ البدء مع رئاسة المجلس الوطني، كقناع وواجهة مقبولة يخفون بها نفوذهم الحقيقي داخله.
انتهينا إلى صيغة “صبرا – طيفور”، نائب قوي ورئيس ضعيف، تماماً مثلما كان عليه حال العراق زمن الرئيس (أحمد البكر) ونائبه (صدام حسين)، قبل أن يضع الأخير حداً للعبة لم تنطل على أحد...هذا هو حال المجلس الوطني اليوم، مع الفارق في التشبيه على أية حال.
هيمنة الإخوان على المجلس، كانت على الدوام سبباً لانفضاض أطياف عديدة عنه، وهي حالت دون تمتعه بالدعم والإسناد الإقليمي والدولي المناسبين..وبدل البحث عن صيغ شراكة (بدل الهيمنة) والتوجه لبناء أوسع ائتلاف وطني معارض، رأينا الإخوان يحكمون سيطرتهم على المجلس، ويحظون بـ23 عضواً في أمانته العامة من أصل 41 عضواً (النصف زائد واحد)، وهو النصاب الذي اعتُمد أيضاً لدى تشكيل (انتخاب) المكتب التنفيذي.
صبرا الضعيف في داخل المجلس الوطني، يحل محل سيدا الضعيف في أوساط “طائفته”، أكراد سوريا...وقبلهم سمعنا عبر “اليوتيوب” ما قاله السيد صدر الدين البيانوني عن برهان غليون، وكيف جاءوا به لذر الرماد في عيون أصدقاء غليون الغربيين...ذات المنهجية والعقلية، ما زالت تتحكم بانتخاب (قُل تعيين) رئيس المجلس الوطني.
ليس هذا فحسب، بل أن مصادر الجيش السوري الحر، تتحدث عن عمليات “شراء لولاء وذمم كتائبه” من قبل جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن احتكار الجماعة للمال والسلاح والإغاثة، مدعومة بالمال القطري والتسهيلات التركية غير المحدودة، وبصورة تذكر بجنوح إخوان مصر للاستئثار بغالبية مقاعد “الجمعية الدستورية” وقبلها تراجعهم عن وعود قطعوها بالامتناع عن محاولة الاستئثار بالسلطة أو الانفراد بها...وهي الوعود التي نكث بها الإخوان، وباتت نسياً منسيا.
أما عن تمثيل الأقليات” في المجلس الوطني السوري، وهي المثلبة الرئيسية الأخرى المُسجلة عليه، فلم يتغير شيئ...أخفق المجلس في انتخاب أي علوي في صفوف أمانته العامة...غابت المرأة عن هيئات القيادة، وممثلو الأقليات الأخرى من قومية ودينية، لم يحظوا بأكثر من تمثيل رمزي، ومن باب “رد العين” أو “ذر الرماد في العيون”...لقد ذهب المجلس الوطني بعيداً في تكريس كل ما أُخذ عليه من نواقص ومثالب وعيوب.
انسحاب “التنسيقيات” من المجلس احتجاجاً على “الهيكلة المُخيبة للآمال”، استنكاف مؤسسين كبار عن الترشح للأمانة العامة والمكتب التنفيذي، الاستقالات احتجاجاً على “غياب تمثيل المرأة”...فضلاً عن الانتقادات الواسعة من قبل أطراف مؤثرة في المعارضة كهيئة التنسيق الوطني والمجلس الوطني الكردي والمنبر الديمقراطي وتيار بناء الدولة، وغيرهم كثر، يدلل على أن المجلس ما زال منذ تأسيسه، مجرد فصيل من فصائل المعارضة، لا أكثر، ولم يكن يوماً ممثلها الشرعي ولا الوحيد، على الرغم من الدعم الهائل الذي تلقاه من “رعاته الرسميين” في الدوحة وأنقرة، وبعض العواصم العربية والدولية.
لن نتحدث مطوّلاً عن إخفاق المجلس في الإجابة على أسئلة السوريين، وتنظيم ثورتهم واحتجاجاتهم، والتعامل مع تحديات الانقسام الإقليمي الدولي حول سوريا...مثل هذه الملاحظات تجاوزها “الداخل السوري”، الذي ما عاد ينظر بكثير من الثقة والرهان على المجلس...ولعلها السبب الرئيس في إطلاق مبادرة “إعادة هيكلة المعارضة السورية”، أو ما بات يُعرف اختصاراً مبادرة “سيف – فورد”.
أزمة المجلس الوطني الممتدة، ستنعكس بعواقب وخيمة على مشروع إعادة توحيد المعارضة وهيكلتها، لكننا لن نستبق المخاض بالإعلان عن الحالة الصحية للمولود الجديد، ونفضل انتظار مآلات الاجتماعات الماراثونية في الدوحة، لنعود ونتناول هذه المسألة من جديد. ( الدستور )