رفع الأسعار والخرائط الجديدة للفقراء

تذهب التقديرات الرسمية وشبه الرسمية إلى أن رفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء سيصيب بعض أسعار السلع الأخرى ارتفاعا بمعدل 3-4 % فقط. وهذا تقدير غير موضوعي ويستخف بعقول الناس؛ إذ ثمة مصفوفة طويلة من السلع والخدمات التي تعد الطاقة مُدخلا أساسيا في إنتاجها، لينعكس الارتفاع مباشرة في أسعار هذه السلع والخدمات، بينما ثمة قائمة أخرى لا علاقة مباشرة لها، ولكن ستصيبها عدوى ارتفاع الأسعار بفعل سلوك السوق وبعض التجار والاحتكارات. بالمجمل، لن يقل الارتفاع المحتمل في كلف السلع والخدمات، جراء تحرير أسعار مشتقات النفط والطاقة، عن معدل 15-20 %.
كيف سينعكس هذا التطور على خرائط الفقر والفقراء في الأردن؟ إذا كنا نتحدث، خلال السنوات الخمس الماضية، عن معدلات فقر تتراوح في حدود 14 %، فإن نهاية العام 2013 ستسجل ارتفاع معدلات مختلفة لانتشار الفقر في ضوء معادلة زيادة الأسعار المطروحة حاليا، أي بزيادة في معدلات الفقر قد تتجاوز 20 % عن الأرقام التقليدية؛ بمعنى أن انتشار الفقر سيصل ما بين 17-18 % من الأسر الأردنية.
خلال السنوات الخمس الماضية، تفاقمت ظاهرة الفقر في الأردن، في دليل على فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية وما أنتجته من برامج وخطط. إذ يلاحظ، على سبيل المثال، وبالمعطيات الرسمية، أن هذه المرحلة شهدت تصاعدا في أعداد جيوب الفقر من 22 جيباً في العام 2006 إلى 32 جيباً في عام 2008. وفي آخر دراسة رسمية مطلع العام 2012، وصل عدد جيوب الفقر في المملكة إلى 36 جيبا.
علينا أن نراجع بشكل علمي ونقدي السياسات الاقتصادية والاجتماعية خلال العقدين الماضيين، وسنلاحظ أن كل برامج الإصلاح الاقتصادي قد قدمت باسم الفقراء، وأن خطط إعادة الهيكلة، وبرامج التحول الاقتصادي الاجتماعي، وشبكات الأمان الاجتماعي، وغيرها قدمت وسُوغت أمام الرأي العام باسم الفقراء، وأحيانا الطبقة الوسطى؛ مرة من أجل حماية هذه الفئات، ومرة من أجل توفير فرص أفضل لها. ودائما، وعلى مدى هذه السنوات، دفع الفقراء ثم الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى الثمن الغالي لتلك السياسات والبرامج. واكتشفنا بعد حين أن اليد الخفية لم تكن حريصة على العدالة، وأن الفقراء هم من دفع الثمن وحدهم.
في نهاية العام القادم، نحتاج إلى معجم جديد ومفاهيم جديدة في دراسات الفقر في الأردن، لأن مفهوم الجيب الفقير قد لا ينطبق على أحوال الناس؛ فالبلاد بأكملها تتجه إلى جيب كبير للفقر إذا ما استمرت السياسات الحالية، وإذا ما أعيد سيناريو البرامج الاقتصادية السابقة. وحينها، سنتجه إلى البحث عن جيوب للطبقة الوسطى في عمان، وسنبحث عنها بالمنظار في المحافظات لأننا لن نراها بالعين المجردة. وبشكل علمي وليس مجرد إنشاء صحفي، هناك محافظات بأكملها مرشحة لأن تتحول إلى جيب للفقر. ومن ثم، علينا قراءة تطور مؤشرات نوعية الحياة في عدد من المحافظات، واستشراف التحولات الاجتماعية التي ستقود إليها القرارات الاقتصادية القادمة بعناية وبشكل دقيق، قبل أن تضرب الفأس بالرأس.
إزاحة كبيرة من الفئات الدنيا والمتوسطة في الطبقة الوسطى نحو الطبقة الفقيرة والأشد فقرا متوقعة خلال عام واحد، ستشمل السواد الأعظم من موظفي الحكومة، ومن موظفي المشاريع الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص، ومعظم العاملين في القطاع غير المنظم. وستتأثر الطبقة الوسطى في العمق لناحية الحجم والنوع. وعلينا أن لا يغرينا بعض المظاهر الاستهلاكية في بعض أحياء عمان، ولا حجم انتشار أجهزة الهواتف الخلوية؛ فبعض مظاهر الاستهلاك لا يعدو أن يكون أكثر من شكل من أشكال ثقافة الفقر.
( الغد )