هل ندعو عليهم ؟
عندما ضرب إعصار ساندي الأراضي الأمريكية قبل أيام، محدثاً زلزالاً من الخسائر في بعض مناطقها، وزلزالاً إعلامياً حول العالم، إنشغل معه البعض في البحث عن ماهية الإعصار ومسبباته، كما كان الشغل الشاغل لآخرون البحث عن سبب تسمية الغرب للأعاصير بأسماء الإناث وليس الذكور.
في ذات الوقت ضرب الإعصار في رأسي فكرة كنت قد أثرتها منذ سنوات، وهي التي تخص الدعاء على الأمريكان وغير المسلمين بالعموم، بل والإبتهال إلى الله أن ينسفهم عن بكرة أبيهم، ولا يبقي منهم ولا يذر، كما يفعل الكثيرون من عامة الناس، بل وحتى من الأئمة والمشايخ.
نظرت يمنة ويسرة، وتساءلت عن مدى إرتباط هذا الأمر بقيم وعادات ديننا الإسلامي الحنيف، وهل أمرنا ديننا بالدعاء على غير المسلمين بالفناء والموت جميعهم بالعموم، أم على من يعادينا ويحاربنا منهم فقط؟
فإذا كان الأمر هو الدعاء بالعموم، فكيف إذن تعايش الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده مع غير المسلمين في البلاد الإسلامية قروناً طويلة، وهم ينعمون بالهدوء وحسن الجوار.
ألم يأمرنا دين الإسلام بالإحسان إلى الجار غير المسلم كما فعل نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي برغم كل ما فعل معه يهود المدينة.
وكيف يكون ديننا يسمح لنا بالزواج من غير المسلمة من أهل الذمة من النصارى أو اليهود، وفي ذات الوقت يأمرنا بالدعاء عليهم !! وهل سيخرج الإبن إلى الصلاة ليدعو على أمه، ثم يعود ليقبل رأسها من باب بر الأم !!!
أم نسينا كيف فعل رسولنا وقائدنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم عندما أهين وضرب بالحجارة، ونزفت الدماء منه من إعتداء أهل الطائف عليه، عندما ذهب لدعوتهم إلى الإسلام، ثم لم يرضى بأن ينتقم منهم بل ورفع يديه للسماء لا ليدعو عليهم، بل ليدعو أن يخرج الله من أصلابهم من يوحد الله !!!!!!
لنتأمل قول الله عز وجل في الآية 125 من سورة النحل:((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين))، وكيف يستوي مع البعض أن يخرج للدعاء على من أمر بدعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة !!!
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مالك:(إنما بعثت لأتمم حسن الأخلاق)، والذي لا يمكن أن يستوي مع الدعاء بالعموم على غير المسلمين بالفناء والتشرد فقط لأن الله لم يهديهم إلى دين الإسلام !!!!!!
وإلا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع عمه أبي طالب الذي مات وهو غير مسلم، فهل دعا عليه، أم أنه كان يحاول هدايته للإسلام حتى النفس الأخير في حياته.
ما قصدته من السطور السابقة هو التأكيد على أن علينا التفكر فيما نفعل، ولا نقلد تقليد الأعمى، فلقد خلق الله الخلق، وكتب لهم في هذه الدنيا الحياة والوجود، ولم يرد في ديننا دعائنا على غير المسلمين بالعموم بالفناء، فهذا مناف لطبيعة الخلق التي خلق الله عز وجل الخلق عليها، وقدوتنا في ذلك حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، والذي لم يرد عنه في يوم من الأيام أنه إبتهل بدعائه على غير المسلمين بالعموم بالهلاك والفناء، ذلك برغم كل إساءاتهم له وللمسلمين، بل على العكس كان يدعو لهم بالهداية وصلاح القلوب، وبوضوح، نحن هنا لا ندافع عن أي ظالم أو متكبر، بل ندعو بالهلاك على كل ظالم ومتجبر ومتكبر من أي دين كان، كما ورد في القرآن الكريم الدعاء على الظالمين والمعتدين، ولكننا كذلك نتمنى السلامة والأمان لجميع الأبرياء في كل بقعة من هذا العالم، ومن أي دين كانوا أيضاً، كما أن علينا أن نتذكر بأن الدين لا جنسية له، فهو ليس حكراً على شعب أو أمة محددة، وإنما الدين لله يهدي الله لدينه من يشاء من عباده، فليس جميع الأمريكان معادين للإسلام، ومنهم مسلمين غيورين على دين الإسلام أكثر من غيرهم بكثير، كما أن منهم من غير المسلمين من يحترم الإسلام والمسلمين ويقدرهم، وكذلك الأمر بالنسبة للبريطانيين، والفرنسيين، والدنماركيين، والهولنديين، والروس، والهنود، والأستراليين، والبرازيليين، وغيرهم في جميع الدول حول العالم.
قال الله تعالى: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) سورة الأنبياء الآية 107، وهنا خلاصة القول، بعث الله نبينا محمد صلى الله عليهم وسلم رحمة للعالمين، وجاء دين الإسلام لرسم لوحة المحبة والسلام، والإخاء والإحترام بين جميع البشر، وعلى كل منا أن يثبت مسماره في هذه اللوحة، فكلما كان ثابتاً على مبادئ وقيم دينه الصحيحة، كلما كان المسمار ثابتاً قوياً في اللوحة، وكلما خرجت أجمل وأصدق للعالم أجمع، وعندها نترك أجمل توقيع وذكرى لنا في هذه اللوحة، وفي هذا العالم.