مصر تستعيد (55) مليار جنيه من الأموال المنهوبة

من أهمّ منجزات الثورة المصرية البدء الفعلي باستعادة أموال الدولة المنهوبة، والجدية الصارمة بمتابعة أركان النظام المخلوع ومن يدور في فلكهم من شلل الفساد ومن سماسرة المال العام، وعملاء الشركات المحترفين الذين سطوا على قوت الشعب المصري وامتصوا جهد العاملين وبددوا مقدرات الأمّة وخيرات مصر العظيمة، وحوّلوها إلى مصاف الدول الفاشلة التي تعاني من العجز وتراكم الديون وعقم الإنتاج خلال نصف قرن من الزمان.
يقول المستشار "عادل السعيد" إنّ النيابة العامّة تلقت فور اندلاع "ثورة 25 يناير" العديد من البلاغات، وقامت بإجراء تحقيقات موسعة متواصلة تتعلق برئيس الدولة السابق وأفراد أسرته، وبعض رؤساء الوزارات والوزراء وبعض رجال الأعمال من أعضاء الحزب الوطني، وعدد من كبار المسؤولين وإحالتهم إلى محكمة الجنايات، ويضيف "السعيد" بالقول إنّ النيابة العامة استطاعت من خلال تحقيقاتها إعادة مبالغ مالية كبيرة وأراضٍ منهوبة إلى خزينة الدولة، وقد تمّ تقدير إجمالي المبالغ المالية الجاري تحصيلها تنفيذاً للأحكام الصادرة المستندة إلى الأدلة خلال الفترة من 1/شباط/2011 حتى 31/تشرين الأول/2012م بما يزيد على (55) مليار جنيه مصري.
وهناك متابعات عن طريق الاتصال الدبلوماسي مع بعض الدول الأجنبية من أجل المساعدة في استرداد أموال الشعب المنهوبة التي تمّ إيداعها في بنوك أجنبية.
أعتقد أنّ هذا حال أغلب الدول العربية، التي تعاني من الأزمات الاقتصادية المستفحلة وترزح تحت نير الدين العام الكبير، الذي يرهق الموازنة، ويثقل كاهل المواطنين، الذي يمثّل أهمّ مخرجات الأنظمة المستبدة ومنجزاتها، التي تفتقر إلى الانتماء الوطني، وتفتقر إلى الكفاءة فضلاً عن المشروعية المستندة إلى صناديق الاقتراع النزيهة التي تعبر عن إرادة المجموع العام لدافعي الضرائب.
إنّ قدرة النظام المصري الجديد، الذي يستند إلى الشرعية الانتخابية، على إعادة بناء الدولة وتطهير مؤسساتها من الفاسدين وشلل النهب والسلب، وقدرتها على استعادة الأموال المنهوبة، ومن ثمّ الشروع في إعادة صياغة الإنسان المصري، واستعادة حريته وكرامته وإرادته وثقته بنفسه يمثل أعظم إنجاز وطني في تاريخ مصر الحديث، ويمثل الطريق الصحيح في استعادة الثقل المصري العربي والدور الريادي في تصحيح مسار العرب الشامل في القرن الواحد والعشرين، والتمكن من بناء القوة القادرة على مواجهة العدوّ الأجنبي.
لكن المشكلة تكمن في الإعاقة الداخلية، ومحاولة عرقلة مسار إعادة البناء عن طريق إنشاء تحالف معاكس من فلول النظام، ورموز الفساد وشلل الحراميّة والنخب المتغربة، ومخلفات مرحلة الاستبداد، والأقلام الإعلامية المرتزقة، وصنائع الأنظمة البائدة التي تجيد "الجعجعة" والتهويش وكيْل الاتهامات وتضليل الرأي العام.
إنّ مرحلة البدء في طريق الإنجاز، ومرحلة التأسيس لعهد الحرية والانطلاق الشعبي، تحتاج إلى انخراط جميع القوى الحيّة وكل القوى السياسية الفاعلة التي تنتمي إلى المستقبل في بوتقة البناء الوطني والتخلي عن ممارسة ثقافة المرحلة البائدة التي تتصف بالغوغائية وشنّ الحروب الداخلية وكيل الاتهامات، وإجادة فنّ الكلام الخالي من المضمون، والخطب الرنّانة في شتم الاستعمار والقوى الإمبريالية عبر الصحف والفضائيات، والنضال عبر (الميكروفونات)، من دون الالتفات إلى البناء الذاتي، وصناعة النهوض الحقيقي، المستند إلى إعادة بناء الإنسان العربي الحرّ المنتمي إلى مشروعه الحضاري الكبير وهويته الثقافية الأصيلة.
( العرب اليوم )