"فرسان الكلام" في الجبهة الوطنية

كشف قرار تعليق الأحزاب القومية واليسارية لعضويتها في الجبهة الوطنية للاصلاح مدى تغوّل جماعة الإخوان المسلمين على الشخصيات المستقلة في الجبهة بمن فيهم رئيسها مدير المخابرات السابق الباشا احمد عبيدات، كما كشف عن حقيقة سياسية تمارسها الجماعة في سلوكها ،وهي عدم الايمان بالعمل الجبهوي وإقصاء التيارات الاخرى، وتحافظ فقط على العناصر التي تتوهم أن لها حصة في كعكة الإخوان اذا جاء موسم توزيع الغنائم.
في عمل الجبهات الوطنية عادة ما تكون المهمة الأبرز هي توحيد القوى الوطنية المتفقة على الهدف الرئيسي، بغض النظر عن التعارضات الايدولوجية والفكرية بينها، ويتناسى الكل ذلك، ويتفقون على البرنامج والهدف.
الاحزاب القومية واليسارية كما جاء في موقفها المعلن والواضح "ما زالت تتبنى هذا البرنامج ولا يحق لاحد أن يتهمها بسبب رؤيتها في سبل تحقيق هذا البرنامج، لأن هكذا سلوك يتنافى مع أبسط قواعد الديمقراطية.
لقد سبق للجبهة الوطنية أن تغاضت عن مواقف اخطر على أهداف الجبهة، عندما ذهب وفد الإخوان المسلمين برئاسة نائب المراقب العام زكي بني ارشيد للقاء وعقد صفقة مع مدير المخابرات العامة، ولم نسمع في ذلك الوقت صراخاً ولا شتائم واتهامات، واكتفى جميع فرسان الكلام داخل الغرف المغلقة بالاستماع الى عرض من وائل السقا احد اعضاء الوفد لما جرى مع مدير المخابرات العامة، ومن ثم صمتوا صمت القبور، وهذا يؤشر إلى أنه لو وقع الاتفاق مع الإسلاميين لجنح مريدوه من كل المراتب والاصناف الى سوق التبريرات أو تقديم التهاني على الجهد الخارق، بما فيها الحزب اليساري حليف الإسلاميين.
المحزن في الضجيج الذي أثاره حزب الوحدة انه ارتضى لنفسه الافتراق عن شركائه التاريخيين مقابل مكاسب لا تسمّن ولا تغني من جوع، مع علمه أن هذا الموقف سوف يدفعه بالتبعية للإسلاميين وهذا ما جعل أمينه العام يشتاط غضباً ويخرج عن طوره ويندفع نحو المصيدة التي نصبها له الإسلاميون.
أما الشخصيات المستقلة التي شربت بالأمس حليب السباع وتنافخت، والتي كانت سابقا تمثل اعضاء في احزاب او تنظيمات، وأصبحت في فريق رئيس الجبهة عندما كان يشغل رئاسة المخابرات العامة، حيث تظهر بصمات هذا التحالف على كثير منهم، مما يجعلهم لليوم طائعين خانعين أو مجرد صدى لما يقال.
كان على الجبهة أن تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، وتنتظر صدق البرنامج الذي ستخوض هذه الاحزاب معركتها على أساسه؛ فإذا كان ملتزماً بالبرنامج والمطالب الوطنية الإصلاحية كان به، _ وان لم يكن _ عندها تستطيع أن تصرّح بانتقادها لهذه الأحزاب وتطالبها بتصويب برنامجها.
المشكلة ليست في موقف الإخوان المسلمين، فهذا معروف جيدا، ومفحوص على أرض الواقع، ويتكشف اليوم في كثير من البلدان العربية، المشكلة في الرفاق اليساريين، الحاليين والسابقين، الذين يقفون على شرفة السبيل، بانتظار توزيع الغنائم، وهم في الحقيقة مثل "مصيفة الغور".
لقد فشل رئيس الجبهة في أن يكون نقطة التوازن لعمل الجبهة الوطنية للإصلاح، لأنه لم يضع مسافة متساوية بينه وبين جميع التيارات المشاركة في عضوية الجبهة، وارتضى بأن يكون محسوبا على جماعة الإخوان، التي صمتت هي وحلفاؤها في السابق عندما نسب الباشا بصفة شخصية عضو القيادة في الجبهة سليم الزعبي وزيرا للعدل في حكومة عون الخصاونه التي جهدت في ارضاء الاسلامين، فتشاطروا عليه، وغضّوا الطرف عن الباشا.