حكومتنا العجيبة

لا مصلحة لنا في استجلاب أبو قتادة لأن ثمنه الأمني عال.

حمدت الله مثنى وثلاث ورباع على خيبة أمل الحكومة الأردنية من قرار القضاء البريطاني برفض طلب الحكومة البريطانية بالسماح لها بترحيل الإسلامي الأردني المتشدد عمر عثمان الملقب بـ "أبي قتادة" إلى الأردن . وقد عجبت من البيان الذي صدر أمس عن وزير العدل الذي عبر عن خيبة أمل الحكومة من قرار القضاء البريطاني رغم أن الحكومة الأردنية قدمت الضمانات الكافية ليحظى أبو قتادة -المطلوب في قضايا أمام محكمة أمن الدولة - بمحاكمة عادلة.
لماذا تستبسل الحكومة الأردنية منذ ثلاث سنوات في محاولاتها لجلب أبي قتادة ؟ هل ذلك انتصار للعدالة ؟ أم أن للأمر علاقة بفك أزمة الدولة البريطانية التي تناضل منذ أكثر من سبع سنوات لإبعاد الرجل عن أراضيها والتخلص منه لأنه مصنف "إرهابي خطير" ؟ هل لنا مصلحة في استجلاب أبي قتادة ؟
لا أعتقد أن أردنيا واحدا يعتقد أن في جلب هذا الرجل منفعة للبلد ، بل إن القناعة راسخة لدى الجميع بمن فيهم الحكومة بأن في الأمر خدمة للحكومة البريطانية، وهذا الأمر مفتوح منذ عدة سنوات وسبق لحكومة سابقة أن وقعت اتفاقا مع نظيرتها البريطانية بقبول رقابة مركز حقوق أردني على وضع السجين أبي قتادة في حال وصوله وإيداعه في سجن أردني وبدء محاكمته، وكذلك جال عدد من الوزراء البريطانيين على مسؤولين أردنيين ولجنة الحريات البرلمانية من أجل إقناعهم بقبول أبي قتادة.
ولحسن الحظ فإن أبا قتادة يرفض قرار ترحيله ، لأنه لو قبل طواعية لما استطاع أحد أن يمنع وصوله إلى بلده، وهو يشترط أن يحظى بعفو ملكي عن حكم سابق صدر غيابيا في عمّان ، وقد ربح أبو قتادة كل الجولات القانونية وعلى رأسها قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان التي رفضت طلبا بريطانيا بترحيله لأنه قد لا يحظى بمحاكمة عادلة.
ورغم قناعتنا بأن الحكومة الأردنية تسعى إلى تقديم خدمة لبريطانيا للتخلص من هذا "الهم الكبير" إلا أن حكومتنا الرشيدة تحاول إيهام الرأي العام بأن نشاطها المحموم وخيبة أملها تأتي كرد فعل لعدم ثقة القضاء البريطاني بالإجراءات التي ستتخذ بحقه في حال ترحيله .
بكل وضوح، لا مصلحة لنا في "استجلاب" أبي قتادة خاصة أنه يرفض العودة إلى الأردن ويقاوم ذلك بشدة، ولم يسبق أن طالب الأردن الحكومة البريطانية بتسليمه رغم أنه مطلوب للقضاء الأردني منذ اكثر من 24 عاما.
إذا ؛ فالنشاط الأردني في هذا المجال لا علاقة له بعدالة القضاء الأردني والدفاع عن هيبته أو نفي وجود التعذيب في مراكز التوقيف أو الاعتقال،بل إنه "فعل خير" للحكومة البريطانية لتخليصها من "وجع الرأس " على حساب وجع رأسنا.
فالسجين أبو قتادة مدار البحث ليس شخصا عاديا تقطعت به السبل ويحاول العودة إلى "بلده"،بل هو شخص له رمزيته لدى تنظيم "القاعدة" وعودته إلى الأردن لها ثمن مكلف سياسيا والحكومة والبلد في غنى عن "دوشة الرأس" في هذه المرحلة الحساسة.
بالمحصلة ليس من مصلحة الأردن استعادة "أبي قتادة" وهذا الأمر لا علاقة له بعدالة القضاء الأردني أو شيوع التعذيب في مراكز التوقيف أو الاعتقال، بل إننا نرفض استعادته لطبيعة الشخص ورمزيته لدى تنظيم "القاعدة" لأن عودته مكلفة أمنيا وستدخلنا في دوامة المحاكم وجلساتها واتهامات بالتعذيب واضرابات عن الطعام والاعتصامات وبالتالي سنفتح على حالنا جبهة لسنا بحاجة إليها.
على الحكومة أن تخفف من اندفاعها في هذا الملف وتعتبره ملفا داخليا بريطانيا لا علاقة لنا به ، فإذا أُبعد استقبلناه ، لكن لا نسعى إليه.

( العرب اليوم )