نحن بحاجة إلى عملية سياسية لا حملة علاقات عامّة

ينبغي أن نتفق جميعاً على أنّنا بحاجة إلى عملية سياسيّة مكتملة تستند إلى رؤية واضحة ومآلات معروفة عبر طريقٍ مرسوم، يتمّ التوافق عليه من الأطراف السياسية المؤثرة، ذات المصداقية العالية، والعمق الشعبي والانتماء الوطني، بعيداً عن منطق التجزئة والتعامل بالقطعة، وبعيداً عن لعبة تمرير الوقت والتعويل على منطق الزمن الكفيل بتبريد الرؤوس الساخنة، أو القادر على بعث الملل في الأنفس الثائرة، ومفاعيل الحراك الشعبي.
إنّ الاستغراق في الحل الاقتصادي، وبناء الاستراتيجية القادمة على تصحيح الأوضاع المالية، وتمرير وصفات صندوق النقد الدولي بنجاح، لن يمثل الطريق الصواب في علاج الأوضاع بشمول، ولن يطفئ شعلة الثورة الشعبية الملتهبة في أوساط الجماهير العربية، التي أدركت عمق المأساة وقتامة المشهد وانسداد الأفق المستقبلي أمام الأجيال القادمة، وخير دليل على ذلك ما يحصل في الكويت من احتقان شعبي، وتوتر متزايد في الشارع، رغم الثراء السائد في أوساط الشعب الكويتي ورغم التطور الاجتماعي الواضح، وما تتمتع به الكويت من وضع اقتصادي مريح وما تحققه من فائض نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ومن المعلوم أنّ الكويت تحتل مكانة متقدمة في ترتيب دليل التنمية البشرية على مستوى العالم، ومع ذلك نشاهد تفاقم حراك الشارع الكويتي الذي يطالب بالإصلاح السياسي الذي يتمحور حول تغيير المعادلة الحاكمة بما يجعل الشعب الكويتي صاحب السلطة الفعلية في التشريع والتنفيذ بطريقة ديمقراطية، مثل كلّ شعوب العالم المتقدمة.
إنّ ما حدث في سورية من ثورة عارمة، انخرط فيها كل الشعب السوري في كل المدن والأرياف وفي كل الأطراف، ليس وليد أزمة اقتصادية بالتأكيد، فقد كانت سورية تعيش وضعاً اقتصادياً متوازناً بالمقارنة مع غيرها من بلدان العالم الثالث، ومع ذلك انخرط الشعب السوري في ثورة شعبية عارمة، تطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة، وإنهاء احتكار السلطة، واغتصابها وإنهاء حقبة الرجل الواحد والحزب الواحد التي تعد مظهر من مظاهر عصور الظلام غير المقبولة، مهما كانت التضحيات، ولن تهدأ الثورة ولن يتوقف جريان الدمّ حتى يتحقق التغيير والإصلاح المنشود.
نحن أمام عدة دروس ماثلة أمام أعيننا في أكثر من مكان، تستحق التوقف بطريقة أكثر عمقاً، وأكثر مصداقية مع النفس، وعدم الإصغاء للذين يتحدثون بغرائزهم، ورغباتهم ومصالحهم الشخصية الضيّقة بعيداً عن المنهجية العلمية الموضوعية في دراسة أوضاعنا، المأساوية التي نعيش فيها الارتباك والضبابية والتردد المفضي إلى قتامة المشهد وزيادة معدلات الإحباط والتوتر لدى قطاعات واسعة من الشعب المقهور، حتى لو كان أغلبه صامتاً.
نحن بحاجة إلى الشروع في عملية سياسية، تنطلق من توافق شعبي عام، وايجاد البيئة السياسية المناسبة؛ لإحداث النقلة النوعية الجريئة بعيداً عن كل الوجوه المتكررة التي أسهمت في صناعة المرحلة السابقة، وتثير ملل الشعب الأردني، وتحمّلت قسطاً وافراً من النتيجة المفزعة التي وصلت إليها الدولة على كل الأصعدة، وفي كلّ المجالات، مع إدراك أنّ الوقت يمضي والفسحة تضيق والخيارات تقل ولا يجد الشعب سوى الفاعلية والنشاط في حملة العلاقات العامّة التي لا تطعم خبزاً ولا تسقي ماء؛ وإنّما تسهم في زيادة منسوب الإحباط واليأس، لأنّ الناس على يقين أنّ كلّ هذه الإجراءات لن تسهم في توقيف التدهور الاقتصادي، ولن ترفع المستوى المعيشي، ولن تنعش الإنتاج ولن تقلّل من حجم المديونية.
( العرب اليوم )