خريف مزدوج!!

كيف يمكن لما يسمونه الربيع السياسي ان يتزامن مع هذا الخريف المزدوج اجتماعيا واقتصاديا؟ والمستغرقون في السجالات العقيمة حول امور اقل من ثانوية لا يعون ما يجري تحت اقدامهم. فالمجتمعات العربية الان في ذروة التفكك واية مراجعة احصائية لحالات الطلاق حتى بين من تجاوزوا الستين او السبعين في بعض الحالات تفتضح على الفور حالة التيه وفقدان البوصلة.
لكن ما يجري نهمس به ونادرا ما نجازف بالجهر به، وذلك على سبيل الفهم القاصر للتستر على البلايا، وهذا الخريف الاجتماعي القاسي المصحوب بخريف اقتصادي اقسى قد يطول، وليس هناك في الافق ما يبشر بنهايته الوشيكة.
من ثاروا على الاحتكار السياسي وفلسفة الاقصاء وجدوها قادمة من الجهة الاخرى، ومن حلموا بالرغيف النظيف والكرامة والحرية تضاعفت نسبة البطالة في بلدانهم، والرغيف الذي كان مغموسا بالعرق والدمع اصبح منقوعا في الدم.
وقد يكون الاختزال المخلّ والعجز عن الرؤية البانورامية للمشهد من مختلف زواياه هو سبب الاضاءة الساطعة بل الحارقة على بعض الظواهر مقابل تعتيم شديد على اخرى، لان ما تمارسه الميديا العوراء الان انتقائي، وبقدر ما تدين وتشجب في مكان تبارك وتتستر وتتواطأ في مكان اخر، ما افقدها ما تبقى من المصداقية ببعديها المهني والاخلاقي.
لقد مضى ما يكفي من الوقت الذي هاجر فيه الترهيب من المنصات الى القاعات ومن قلاع السلطات الى الارصفة. ولم يعد التلويح بالتخوين مخيفا الا لمن يتحسسون رؤوسهم او يبالغون في الشعارات لاخفاء حقائقهم.
قلنا مرارا نحن وسوانا ان هذا الواقع العربي اصبح مهجورا من النخب والاخصائيين في علمي النفس والاجتماع، رغم اعتراف بعض الاطراف بان الطب النفسي الان يجب ان يستدعى بكافة احتياطاته للكشف عن العالم السفلي لبشر بدأوا يأكلون بعضهم ويعلنون جمهورية الكراهية والثأرية والانتقام لا الانتقال بديلا لليوتوبيا التي بشـّر بها المتفائلون، وهنا ينبغي التحذير من ثلاث مواعظ طالما استخدمت كجرعات للتخدير هي ان كل تغيير لا بد ان تصاحبه اعراض جانبية مؤقتة وسرعان ما تعود العافية للمصاب والموعظة الثانية هي ان الماضي بكل عهوده ورواسبه لا يزال يتسلل الى الحاضر ويضع الهراوات الغليظة بين الدولايب، والموعظة الثالثة هي ان الازمة حين تشتد تنفرج والحقيقة انها تنفجر لتأتي على اليابس واليابس لانه ما من اخضر تبقى بعد كل هذا التصحر الفكري والاخلاقي والتربوي.
ومن ظنوا ان تخلفهم وشقاءهم هو البثور المتقيحة على جلد مجتمعهم اخطأوا مرتين الاولى لانهم شخصوا الداء من خارجه وعزلوا هذه الاعراض عن الدورة الدموية المصابة. والثانية انهم لم يروا من جبل الجليد الذي ارتطمت بهم قواربهم غير ما نتأ منه على الماء.
فكيف يتعايش ربيع سياسي ترفرف فوقه الاعلام من كل لون مع خريف يعصف بالنسيج الاجتماعي بحيث يرتفع منسوب الجرائم والطلاق المبكر والمتأخر والكذب الاحترافي بشكل كارثي بمعزل عن اي مرصد؟
( الدستور )