حول ائتلاف الثورة السورية

بعد مخاض عسير من المساومات والضغوط والمداولات انتهت اجتماعات الدوحة لقوى المعارضة إلى إنشاء “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والسورية” بصيغة أقل ما يقال فيها إنها جد موفقة في تركيبتها القيادية، فضلا عن بيان العمل الذي تم التوصل إليه مع المجلس الوطني السوري الذي كان قد سبق تشكيل الائتلاف باختيار قيادته التي تصدرها المناضل (المسيحي) جورج صبرا.
حضور عدد من المسؤولين العرب، وكذلك وزير خارجية تركيا حفل إعلان الائتلاف إلى جانب رئيس الوزراء القطري كان إعلانا بتبني الائتلاف من قبل القوى الداعمة للثورة، ما يعني حسما لمسألة تمثيل السوريين وثورتهم.
قيادة الائتلاف كانت موفقة إلى حد كبير، فالشيخ أحمد معاذ الخطيب هو خطيب الجامع الأموي، ورجل يحظى بمصداقية عالية في صفوف السوريين بشتى أطيافهم، أقله الإسلامية السنية، وهو رجل معتدل ومحبوب ممن يعرفونه. وكان لافتا ذلك الإجماع عليه من قبل الحضور.
نواب الرئيس مثلوا أطياف المجتمع، فهناك المناضلة سهير الأتاسي، وهناك المناضل رياض سيف ومصطفى الصباغ، فيما كان جورج صبرا حاضرا أيضا كرئيس للمجلس الوطني الذي سيبقى ممثلا داخل الائتلاف بحصوله على 22 مقعدا من أصل 60 يمكن القول إنهم يشكلون مجلس الشورى أو مرجعية القيادة. لا ننسى أن مقعدا بقي للأكراد في القيادة العليا، ومن المؤسف أن تخلفهم عن اللقاء لا زال يعكس روحية الانفصال التي يتصرف بعض رموزهم على أساسها من دون مبرر مقنع، لاسيما أنهم مقدرون ومحترمون ولهم ما للآخرين ضمن سوريا الحرة والموحدة وليس أي شيء آخر. ومن العبث بالطبع أن يعاقبوا سوريا وطنا ودولة على اضطهاد النظام لهم، هو الذي لم يوفر من اضطهاده وبطشه أحد، بما في ذلك الطائفة التي ينتمي إليها.
من الصعب القول إن ما جرى قد لبى مطالب الولايات المتحدة والغرب كما كانت المخاوف السائدة، فقد صمد الحضور وممثلو الثورة بدعم الدولة المضيفة، فكان أن ثبّتوا جزءا كبيرا من مواقفهم، ولن يكون بوسع أي أحد بعد الآن التشكيك في شرعية الائتلاف، مع أن أمثال هيثم مناع سيخرجون عليه ولن يعترفوا به ممثلا للثورة، لكن هؤلاء بلا وزن عملي، لا في الداخل بعد أن وقفوا ضد السلاح، ولا في الخارج، هم الذين ينحصر تأييدهم في الدول التي تدعم النظام.
اليوم بوسعنا أن نقول إننا أمام ممثل شرعي للثورة، بل إن بالإمكان إضافة الوحيد لها ما دامت تحظى بدعم تركيا ودول الخليج ودول عربية أخرى، والمجموعات التي سترفض وتتمرد ستغدو معزولة عن السياق العام، حتى لو استمر فعلها خلال الثورة، مع العلم أن الائتلاف لا زال مفتوحا لانضمام الجميع إليه.
هناك بالطبع بعض المقاتلين القادمين من الخارج، وهؤلاء لن يفرضوا على السوريين ما لا يريدون، ولا أظنهم يفكرون في ذلك رغم الدور المقدر الذي قاموا ويقومون به، لأننا إزاء ثورة حرية وليس انقلابا عسكريا يتصدره أكثر الناس بلاء في المعركة، ويبقى أن الوضع التالي سيكون باختيار الناس الذين سيقدرون الأكثر عطاءً كما هو دأبهم.
اليوم يمكن القول إن عنوان الثورة بات واضحا ومحسوما، ومن يريد أن يدعم، فهنا يكون الدعم، ومن يريد التفاوض، فمع الائتلاف يكون التفاوض، وقد كان لافتا أن بيان الائتلاف كان واضحا في إرادة إسقاط النظام ورفض التفاوض معه، والمطالبة بحل أجهزته الأمنية، مع عدم الإشارة إلى الجيش، وهذه رسالة مهمة لأن التفاوض مع الجيش سيكون ممكنا إذا انقلب على بشار، لاسيما أن قادة الجيش هم من يديرون المعركة خوفا على أنفسهم من مصير كمصير قادة جيش العراق، وعموم الجيش، مع أن ذلك ليس مبررا بحال لاستمرار العمل ضد خيار الشعب في الحرية والتعددية، لكن الجيش عموما ليس كتلة مصمتة.
وفيما كان بيان مجلس التعاون الخليجي صريحا في الاعتراف بالائتلاف ممثلا شرعيا للسوريين، جاء بيان الجامعة العربية أقل وضوحا، لكنه جيد في العموم ويشبه إلى حد كبير الموقف الذي اتخذته الجامعة حيال المجلس الوطني الانتقالي الليبي، ما يعني أن الائتلاف سيكون مؤهلا لتشكيل حكومة انتقالية تدير الوضع بعد سقوط النظام.
ما جرى في الدوحة نقطة تحول في مسار الثورة السورية، وهي في العموم تقترب من نهايتها على ما يبدو، ليس فقط بتقدم الثوار على الأرض، بل أيضا بقناعة الأطراف الداعمة للنظام بذلك، ومن ثم إمكانية قبولها بإقصاء الأسد ضمن تسوية مقبولة، أما إذا تواصل التلكؤ، فإن الحسم سيكون قريبا بإذن الله، لاسيما إذا صدقت الوعود، وجرى تقديم السلاح النوعي للثوار بعد رفع الفيتو الأمريكي الذي عطل ذلك طوال الشهور الماضية.
( االدستور )