ثنائية "العُقّال والجُهّال" في العنف الأردني

قبل عامين كنت أجري بحثاً ميدانياً سريعاً عن العنف في المجتمع الأردني، وعندما سألتُ محدثي في عجلون عن موقف قادة المجتمع المحلي من أحداث العنف، كانت إجابته على شكل بيت شعر شعبي يقول: "قومٍ بلا جُهّال ضاعت حقوقها، وقومٍ بلا عُقّال راحوا بلاشي"، وعندما انتقلت في البحث ذاته الى مدينة معان سمعت العبارة نفسها مع تغيير بسيط في المقطع الثاني الذي يصبح كالتالي: "وقومٍ بلا عُقّال راحوا قَطايِع".
أدرك بالطبع أن ما تشهده المدن الأردنية حالياً لا يعتبر عنفاً مجتمعياً بالمعنى الذي كنت أبحث فيه عند سماعي تلك الحكمة، بل هو بالأساس شكل للصراع الاجتماعي/ السياسي المشروع، وبالتالي لا تجوز محاسبة أشكال العنف المرافقة له بمعزل عن جوهر المسألة هذا، والمتمثل في حالتنا بالصراع بين نهجين نقيضين في إدارة البلد.
مع ذلك، فإن مسألة "العُقال والجهّال" تبقى حاضرة وإن من زاوية مختلفة. وبمقدورنا مثلاً أن نقارن بين هبة 89 وما رافقها آنذاك من عنف، وبين ما نشهده حالياً. في تلك السنة كانت العلاقة بين "العقّال والجهّال" تدار وفق التقليد الأردني الصارم، ولذلك فإن المجتمع المحلي في معان والكرك والطفيلة وغيرها من المدن التي شهدت الهبة، كان موحداً أثناء وبعد الهبة في نظرته للأسباب ولردود الفعل وللنتائج، ولغاية اليوم فإن "الانتماء الى الهبة" يعد ميزة لصاحبه، ولا يزال قادة المجتمع المحلي يتنافسون في إخلاصهم وقربهم من الهبة. بل يمكننا التعميم أن المجتمع الأردني بمجمله لا يزال متفقاً حول نظرة محترمة لتلك الهبة.
اليوم هناك مسافة كبيرة تفصل بين العُقّال والجُهال. وحتى في الحالات التي يتكون فيها "العُقّال" من قادة حزبيين ورجال سياسة، كما هو حاصل في العاصمة والمدن الكبيرة، فإن تلك المسافة الفاصلة موجودة.
إن أخطر ما في الأمر أن يكون وجود تلك المسافة الفاصلة بين العُقّال والجهال مقصوداً من قبل "العُقّال الجدد" هؤلاء، وهو ما يتيح لهم إمكانية الاستثمار "العقلاني" لما يجري، مع المقدرة على التخلي عنه بل وإدانته إذا لزم الأمر، بحجة أنه ليس مِن صُنعنا. ( العرب اليوم )