كفى الناس شر الفقر
تم نشره الثلاثاء 20 تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 12:37 صباحاً

جمانة غنيمات
لا نحتاج إلى دراسة البنك الدولي لنتأكد أن معدلات الفقر ستزيد خلال الفترة المقبلة، نتيجة زيادة أسعار المحروقات؛ خصوصا أن المحروقات تعد مدخل إنتاج رئيسا يؤثر في أسعار السلع والخدمات.
مع ذلك، كشفت دراسة أعدها البنك أن الفقر في الأردن سيرتفع بنسب كبيرة، في حال تخلت الحكومة عن دعم جميع السلع والخدمات، بما فيها الخبز. إذ تشير الدراسة إلى أن الفقر سيرتفع بنسبة 1.9 % في حال تخلصت الحكومة من ثلاثة من بنود الدعم.
بالتفصيل، تقول الدراسة إن إلغاء الدعم سيزيد نسبة الفقر على النحو التالي: في حال تم رفع الدعم عن الغذاء، ستزيد المشكلة بنسبة 0.6 %؛ أما المياه فستزيدها بنسبة 1.4 %، فيما يؤدي رفع الدعم عن أسطوانة الغاز إلى زيادتها 0.5 %.
وثمة توجهات أخرى ستؤدي إلى النتيجة ذاتها في حال أقرت. إذ يشير البنك في دراسته المهمة إلى أن إلغاء الإعفاءات الضريبية عن سلع أساسية سيرفع الفقر بنسبة 0.9 %. وتدعم هذه الفكرة دراسة أخرى لصندوق النقد الدولي، تشير إلى أن إلغاء الدعم عن المياه والكهرباء والمحروقات والغذاء ستخفض الدخل الحقيقي للأسر بنسبة 7.7 %. دراسة البنك تكشف نتائج يلزم الحكومة الالتفات إليها قبل أن تصبح نتائجها واقعا، ونجد أنفسنا أمام معدلات كبيرة للفقر لا نقوى على مواجهتها، ونتائجها الاجتماعية خطيرة.
تجنب السيناريوهات السابقة يتطلب التوقف بعمق عند قيمة الدعم النقدي الذي سيحصل عليه الفرد سنويا، والمقدر بحوالي 70 دينارا؛ بمعدل 18 قرشا يوميا، وكيف سيخدم هذا المبلغ القليل فكرة الحد من ارتفاع معدلات الفقر.
الحكومة اتخذت قرار إلغاء الدعم عن المحروقات ومضت في تطبيقه، لكن مراجعة قيمة الدعم النقدي ضرورة. فما تحتويه سلة غذاء الأردنيين من سلع وخدمات، والزيادات المتوقع أن تطاولها، وبالتالي معدلات التضخم، تفرض زيادة قيمة الدعم بحيث يكفي الناس شر الفقر. والمتابعة الأولية للارتفاعات التي بدأت تلحق بالأسعار، تنبئ بأن معدلات الفقر ستكون كبيرة، وتشي بأن كثيرا من أبناء الطبقة الوسطى سينزلقون إلى ما دون خط الفقر بعد أن تتآكل مداخيلهم بنسبة 7.7 %.
آثار القرار بدأت تظهر منذ اليوم الثاني لاتخاذه، وتحديدا على المواد الغذائية ومنتجات المخابز، باستثناء الخبز الذي ما تزال الحكومة تدعمه؛ رغم أن الكلف لم ترتفع بعد على مقدمي الخدمات والمنتجين، لكنها ثقافة استغلال الظرف للأسف، بدون أدنى شعور بالمسؤولية، أو تقدير لماهية الظرف الصعب الذي يعيشه البلد، ومدى الاحتقان الموجود أصلا.
خطة الحكومة تتضمن خطوات أخرى لإلغاء الدعم عن الكهرباء مستقبلا. وهذا البند إن كان لا يؤثر على الفقراء بشكل مباشر، إلا أنه سيمس مداخيلهم، وسيؤدي بالنتيجة إلى توسع حجم المشكلة.
الحكومة أمام تحد جديد؛ فكل الحكومات التي مرت بنا خلال العامين الماضيين وقبلها، لم تتمكن من تخفيض معدلات الفقر، لا بل إن دراسة الفقر الأحدث التي أعدتها وزارة التخطيط، ولم تعلن نتائجها بعد رغم انتهاء العمل عليها منذ مدة طويلة، كشفت عن ارتفاع نسبة الفقر لتبلغ 14.1 %، فكيف سيكون الحال بعد القرار الأخير لرفع الأسعار؟!
حماية الشرائح الأضعف بحاجة لإعادة النظر في قيمة الدعم النقدي المقدم، بحيث تغطي الكلف الحقيقية. فمبلغ 330 مليون دينار، وهو إجمالي المبلغ المخصص لدعم ملايين الأردنيين، لا يكفي بالتأكيد لمنع تمدد مشكلة الفقر.
يقدر الخبراء أن الحكومة لن تنفق كل هذا المبلغ بسبب نسب الاستنكاف عن تسلم الدعم، ووجود 12 % من غير المستحقين له، وهم المقيمون في الأردن ممن لا يحملون ارقاما وطنية.
القول إن 70 % من الأردنيين سيستفيدون من القرار فيه مبالغة كبيرة. وحتى نجعله واقعا، فلا بد من مراجعة قيمة الدعم النقدي، بحيث يكون عادلا بحق، ويضمن الحد الأدنى من العيش الكريم للبعض، ويحول دون مزيد من تشظي الطبقة الوسطى.
( الغد )