يسألونك «ما العمل؟»

تم نشره الأربعاء 21st تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 12:36 صباحاً
يسألونك «ما العمل؟»
عريب الرنتاوي

 

أين من هنا؟ أو “ما العمل؟”...سؤال يتردد في كل المحافل والصالونات واللقاءات والاجتماعات..وأحسب أن المستقبل ، في المدى المنظور، يتوقف على الكيفية التي ستجيب بها الدولة الأردنية، على هذا السؤال..وغني عن القول، أن السؤال على بساطته، لا يتوفر أبداً على إجابة من نفس جنسه.

على أن للإجابة على السؤال، مقدمات لا بد منها، تتخطى التلاوم والشقاق حول من هو المسؤول وحجم مسؤوليته، إلى البحث الجاد والمخلص عن مخارج وحلول...أول هذه المقدمات، الإقرار بوجود أزمة وطنية عامة، وغير مسبوقة، ويمر حكماً بالإقرار بأن صدمة القرارات الحكومية، والأهم صدمة ما بعد هذه القرارات، لا يمكن أن تعالج بالوسائل والأدوات والسياسات القديمة، وصولاً إلى الإقرار بالحاجة لاعتماد أسلوب “العلاج بالصدمة”، فلسنا نمتلك ترف “الوقت المفتوح”..واستعادة ثقة الناس بالدولة والحكومات والمؤسسات، ما عاد ممكناً بإعادة إنتاج “البيانات الوزارية السابقة”، والوعود التي لم يعد أحدٌ ليشتريها أو ليأخذها على محمل الجد.

الأزمة الوطنية ، تتجلى عناصرها الرئيسة، في بلوغ مسار التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، طريقاً غير نافذ، ترتب عليه نشوء ظواهر احتجاجية سياسية واجتماعية، تميزت في أيامها الأخيرة، بجملة خصائص منها: أولاً، شمول التحركات الاحتجاجية مختلف المدن والحواضر والتجمعات السكانية الأردنية (وليس مفيداً هنا الدخول في مسألة الأعداد والأرقام)..ثانياً، في انخراط جماعات شبابية غير حزبية وغير حراكية فيها، وعلى نطاق واسع، ممن لم يُعهد عنهم المشاركة في تحركات مماثلة..ثالثاً، انخراط الأردنيين من أصول فلسطينية في “الحراك” بعد سنوات من التردد والانسحاب، ...رابعاً، تجاوز شعارات الحراك الاحتجاجية وهتافاته، السقوف والخطوط الحمراء.

ونضيف إلى هذا وذاك، أن الحراك الاحتجاجي هذه المرة، قد مال للعنف، وإن كنّا لا نقبل حملات التجييش والتحشيد التي اتخذت من بعض المظاهر والميول العنفية، وسيلة لـ”شيطنة” التحركات.

والأزمة الوطنية غير المسبوقة، التي لم تضع اوزارها بعد، وإن كانت حدة تعبيراتها الشعبية والاحتجاجية قد تراجعت لأكثر من سبب، مرشحة للامتداد والتصاعد، لاسيما إذا ما وجدت هذه الحكومة أو من سيعقبها من حكومات في الأشهر المقبلة، نفسها أمام “ضرورات” رفع المزيد من الدعم، وتحرير أسعار المزيد من السلع والخدمات، وهي (الاحتجاجات) بحكم طبيعتها، مرشحة للصعود والتصعيد، والهبوط والتراجع.

على أن أخشى ما نخشاه، أن تأنس الحكومة، الحالية أو من سيليها، إلى هدوء الشارع النسبي، فتتراجع الحاجة لإطلاق مبادرات إنقاذية واحتوائية...فتترسب في عقول ونفوس المحتجين، مشاعر الخيبة والإحباط، وتتسلل إلى عقولهم القناعة، بأن أدوات التعبير السلمي التي لجأوا إليها في المرة الأولى، لم تكن مفيدة أو ناجعة، فيبدأ الجنوح لأدوات تعبير سلبية، تبرر العنف وتميل إليه...أليس هذا هو درس الربيع العربي الأول؟.

إزاء حالة كهذه، لا نجد بُدّاً من الدعوة لمبادرة إنقاذية، مبادرة تصدر عن اعلى مستوى، وتأخذ شكل خريطة طريق للمرحلة المقبلة، وفي مجالات الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإداري كافة...مبادرة ترتبط بجدول زمني، وتتوفر لها أدوات مغايرة، مقنعة للرأي العام، قولاً وفعلاً.

مبادرة تشرف على إنفاذها ، حكومة إنقاذ وطني، تعمل على إدارة المرحلة الانتقالية نحو برلمان جديد، يُنتخب بنزاهة وشفافية وعدالة، وفق لقانون انتخابي، غير هذا القانون الإشكالي، وتنبثق عنه (البرلمان)، حكومة قادرة على استرداد ولايتها العامة، والنهوض بأعباء الانتقال بالأردن نحو الديمقراطية، والإصلاح الاقتصادي الذي يقطع مع مختلف النماذج التي جرى تجريبها، وقادتنا إلى الهلاك.

مبادرة تعطي أملاً للأردنيين من مختلف المكونات والمرجعيات والاتجاهات والمشارب والمنابت، بأن الأردن لجميع أبنائه، وأن العدل أساس الملك، وأن سيادة القانون فوق كل اعتبار، وأن الأردنيين سواء، بصرف النظر عن الدين والمعتقد واللون والجنس والعرق...مبادرة تُعيد تأسيس مفهوم المواطنة كأساس للعلاقة بين الدولة ومواطنيها، وكمصدر وحيد للحقوق والواجبات......

قد يقول قائل، أن ثمة عوائق دستورية تحول دون الخروج بأي مبادرة من هذا النوع، فلا مناص دستورياً من إجراء الانتخابات في وقتها، تحت طائلة عودة البرلمان المُنحل للعمل تلقائياً..وقد يقول آخر أن دستورنا الجديد، يحول دون إجراء تعديلات على قانون الانتخاب (تقييد القوانين المؤقتة) بحيث يُقنع الجميع بالمشاركة، وقد يقول ثالث: حسناً دعونا نجري الانتخابات ونفكر بما يمكن أن نفعله بعدها...مثل هذه التحفظات على أهميتها ووجاهتها، تخفي عند البعض “عدم رغبة” في دفع عملية الإصلاح والتغيير، وتخفي عن البعض الآخر “عدم قناعة” بأن سيناريو الانتخابات بمن حضر، ربما يكون أسوأ وأشد خطورة من بقية السيناريوهات التي تنتظرنا...وتعكس عند البعض الثالث، “نزعة نصيّة”، تحيل الدستور والقانون إلى قيد على التفكير والإبداع.

خلاصة القول، أن أسوأ “المخارج” للوصول إلى الحل الإنقاذي، والذي يفترض إعلان حالة الطوارئ المؤقتة (بالتوافق والتراضي) إن اقتضي الأمر، سيظل أقل ضرراً من الإمعان في إدارة الظهر لحالة الغضب والإحباط التي سيطرت على الشارع الأردني وقواه السياسية والحراكية، طوال الأيام الفائتة، فدعونا نفكر من “خارج الصندوق”..والمأمول أن يسعفنا “فقهاء القانون الدستوري” بحلول ومخارج، تجعل الخروج من هذا النفق، أمراً ممكناً وأقل كلفةً.

( الدستور )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات