حق الدفاع عن النفس

حق الدفاع عن النفس حق مشروع في كل شرائع السماء والأرض، ويقره العقل السليم، ومحل إجماع البشر، وهو حقٌ إنساني عادل، لا ينكره إلاّ جاحد، أو صاحب هوى، ولا يجوز مصادرته أو الانتقاص منه، أو ممارسة التدليس أو التضليل بشأنه وبشأن من وقع عليه الاعتداء، وهو منسجمٌ مع الفطرة، وهو صنو الكرامة الآدميّة وقسيم الحريّة.
ما يبعث على الغيظ أنّ حق الدفاع عن النفس أصبح بضاعة محتكرة لأصحاب القوة، والاستكبار، ويحرم منه الضعفاء والمجردون من القوة، وهذا ما يحدث تماماً بشأن العدوان الصهيوني المتكرر بحق غزة، في هذا الوقت وفي كلّ الأوقات السابقة، إذ أن الكيان المحتلّ الذي ولد من رحم العدوان والاغتصاب، وانتصب على بحرٍ من الدماء وهرم من الأشلاء، يتبجح أمام العالم أنّه يمارس حق الدفاع عن النفس، ولكن الأمر الأكثر غيظاً أن يقوم الأمريكان بترديد المقولة نفسها على أسماع العالم كله الذي يسمع ويشاهد ويعيش الأكذوبة الصهيونية الكبرى.
أليس للفلسطينيين حق الدفاع عن النفس، أليس بعد مرور ما يزيد على (60) عاماً من التقتيل والتشريد وهدم المنازل أن يمتلكوا حق البشر في العيش، و يقرروا مصيرهم و يقيموا دولتهم، و يحموا أطفالهم وأعراضهم، و يصلوا إلى الحدّ الأدنى من الكرامة الإنسانية والحريّة والأمن.
كيف يتواطأ العالم الذي يطلق على نفسه العالم الحرّ والمتقدم ويمتهن حراسة حقوق الإنسان، لمدة تفوق على نصف قرن مع هذا التضليل المكشوف والمخادعة السمجة، دون نكير من شعوبهم، ومن دون ضغط حقيقي من الرأي العام ومن دون ردة فعل حقيقية من المجتمع الدولي ومؤسساته.
نحن أمام معضلة عالمية، أسهم في ترسيخها قادة الدول الغربية الذين رضعوا ألبان الاستعمار واحتقان الشعوب الأخرى، ويتملكهم عقدة التفوق والتعنصر واستخدموا آلة إعلامية كبرى، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ بعض الأنظمة العربية تخلت عن حقوقها ، وخاصة بعض القادة الذين قادوا العمل الثوري والتحرري الفلسطيني، ثمّ انسلخوا من مبادئ ثورتهم وأخلدوا إلى لؤم العدوّ وخسته، وقادوا معركة الاستخذاء والاستسلام بكل بجاحة ودون ذرةٍ من حياء.
يجب أن نصل إلى الحقيقة البدهية الساطعة سطوع الشمس أن الحقوق لا يتم الحصول عليها بالتسوّل والخنوع، وأنّ الحرية لا يمكن شراؤها أو استجداؤها من أحد، ومن يتنازل عن حقه طوعاً ينبغي ألا ينتظر اعتراف الآخرين به، وإنّ من يتنازل عن أرضه ووطنه، لا يستحق الاحترام، وينبغي ألا ينتظر الاحترام من الصديق فضلاً عن العدوّ.
لا طريق أمامنا إلاّ بإعادة بناء الذات، وامتلاك أدوات القوة والقدرة على الدفاع عن النفس، ولن يتمّ ذلك إلاّ عندما نصبح أحراراً، لأنّ الأحرار وحدهم هم القادرون على بناء ذاتهم وهم وحدهم الذين يتجرؤون على مقاومة المعتدي، لأنّ العبيد والمقهورين، ومسلوبي الإرادة، لن يقهروا عدوهم، لأنهم لم يستطيعوا تحرير أنفسهم أولاً، وهذا يحتاج إلى تخليص الأجيال من شعراء العبودية، ومن خطباء الاستبداد ومن كلّ الذين تربوا في محاضن القهر والخنوع، وكل الذين أدمنوا تبرير فعل الطواغيت، ولا يحسون بوجع الجماهير، وشروا ذلك بثمن بخس ويتقنون فن التدليس وطمس الحقائق والرقص على جراح الشعوب المنكوبة.
( العرب اليوم )