... عن صعود «الجماهير العربيّة» وهبوطها

تم نشره الأربعاء 21st تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 09:03 مساءً
... عن صعود «الجماهير العربيّة» وهبوطها
حازم صاغيّة
 
بقياس الكلام الخطابيّ الطائر على أجنحة الأطفال، يبدو مدهشاً أنّ «الجماهير العربيّة» لم تنتظم في تظاهرة حاشدة واحدة، في تلك المنطقة الممتدّة «من المحيط إلى الخليج»، تأييداً لغزّة وتضامناً معها في مأساتها. ليس هذا فحسب، إذ إنّنا لم نشهد تظاهرة واحدة من الصنف المذكور في الضفّة الغربيّة ذاتها، هذا علماً أنّ الأخيرة أظهرت، قبل أشهر قليلة فحسب، أنّها لا تزال تُجيد التظاهر دفاعاً عن تحسين أوضاعها المطلبيّة والاجتماعيّة.

ومن الصعب القول إنّ ظروف القمع تحول دون ذلك في بلدان عربيّة كثيرة في عدادها مصر وتونس. حتّى لبنان الذي تدبّ فيه الفوضى، ولا يكفّ عن كسر الأرقام القياسيّة في «مقاومة إسرائيل»، لم يشهد تظاهرة من النوع الموصوف (هذا من دون أن نستبعد تماماً قيام تظاهرة مذهبيّة توظّف الألم الغزّي لأغراض التنافس اللبنانيّ - اللبنانيّ).

والحال أنّ الضمور هذا ليس جديداً على من يريد أن يرى المستجدّات ويلاحظ التغيّرات التي تشقّ طريقها تحت أنوفنا. فمنذ أوائل الثمانينات، إبّان الغزو الإسرائيليّ للبنان، بدا أنّ ظاهرة «الجماهير العربيّة» شرعت تكفّ عن الاشتغال: فكما قيل مراراً، لم تقم تظاهرة معتبرة واحدة في الدنيا العربيّة تضامناً مع اللبنانيّين والفلسطينيّين، فيما تُرك للإسرائيليّين أن يطلقوا مثل تلك التظاهرة اليتيمة.

هكذا اختُتمت المرحلة الهائجة التي بدأت في الأربعينات، ثمّ فُتحت لها الأبواب العريضة مع الانقلاب الناصريّ في 1952، وخصوصاً مع حرب السويس في 1956 تتويجاً بالوحدة المصريّة – السوريّة في 1958. ولئن عوّل البعض على الثورة الفلسطينيّة رافعةً، ما بعد ناصريّة، لـ «الجماهير العربيّة»، فإنّ الحربين الأهليّتين اللتين تلاحقتا في الأردن ولبنان رسمتا سقفاً تجمّعيّاً وأهليّاً منخفضاً لتلك الثورة.

ثمّ سارت في النهر مياه كثيرة إلى أن كان «الربيع العربيّ»، فبدا معه أنّ العرب ينتقلون إلى اكتشاف دواخلهم الوطنيّة متعاملين مع هموم خاصّة ببلدانهم هي حكر عليها. وإذا جاز تشبيه ذاك التزامن في الثورات بحدث كبير سابق، صحّ تشبيهه جزئيّاً بتزامُن السقوط الذي شهدته أنظمة «المعسكر الاشتراكيّ» إبّان 1989 – 1991. يومها خاض الجميع، في أوروبا الوسطى والشرقيّة، معركة واحدة من أجل أن يفترقوا وألاّ يجمع بينهم «معسكر» واحد. لقد كان الأمر أشبه بقبلة الوداع.

يفاقم الصورة هذه ما راح يتكشّف عن تلك الدواخل العربيّة التي يُراد إصلاحها وتغييرها، وهو درجة التفتّت الأهليّ التي تجعل مهمّة تأسيس «الشعب» ذاته مهمّة ملحّة. فإذا كان «أهلنا في بنغازي» غير «أهلنا في طرابلس»، و «أهلنا في درعا» على موجة تغاير موجة «أهلنا في دمشق»، و»أهلنا في النجف» متناحرين مع «أهلنا في تكريت»، صار التضامن مع «أهلنا في غزّة» مطلباً كماليّاً لا يجد ما يسعفه إلاّ في ذاكرات تهرم وتشيخ.

وهذا، في عمومه، يلحّ على ضرورة توليد أفق وطنيّ وديموقراطيّ جديد، ينطلق من البلدان القائمة ويصبّ فيها، من دون أن يُخيفها بـ «جماهير عربيّة» لم يبق منها إلاّ بعبع الوهم ووهم البعبع. وغنيّ عن القول إنّ الشعب الفلسطينيّ الذي دفع أكبر أكلاف هذين البعبع والوهم، ولا يزال، سيكون مرشّحاً للإفادة من أفق جديد كهذا.

( الحياة اللندنية ) 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات