فضيحة «الكوني»

أنا لا أثق بالحوارات التي ينظمها المثقفون والكتاب العرب في الندوات والمهرجانات والمؤتمرات، لا لشيء سوى أن المثقف العربي وبسبب انفلونزا فكرية مُزمنة اصابت جهازه العصبي جعلته يعتقد أن النقاش في أي حالة هو مُلكية شخصية، وان مظلة الحوار قائمة على سيكولوجية قمع الآخر، وانها في مساحتها لا تتسع لاثنين!!
ومن يتابع برنامج «الاتجاه العاكس» الذي تبثه فضائية الجزيرة اسبوعياً، ويرى حجم الصراخ والشتائم المتبادلة بين المتحاورين سيتأكد من قدرتنا العجيبة في ثقافة الحوار ومحق الطرف المقابل، لا لشيء سوى أن المحاور يعتقد أن الفكرة التي يتحدث بها هي اقطاعية خاصة به، لا يجوز مناقشتها أوالاقتراب منها.
وقبل أيام نظم مركز للدراسات في الشارقة ندوة بعنوان « مستقبل الثقافة في ليبيا» للروائي الليبي «ابراهيم الكوني» وكالعادة في كل ندوة يحدث النقاش بين الضيف والحضور، وكانت المفاجأة حينما تقدم الصحافي والزميل معن البياري بسؤال للكوني عن ماهية علاقته بالرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي، وهنا استفز الروائي الكوني ودفعه السؤال الى قذف الصحافي بكأس ماء زجاجي كانت على المنصة!!.
الزميل البياري قال في تصريح صحفي « أن الكوني استفزه سؤالي ورماني بالكأس التي اصطدمت بكرسي على جواري، كما اندفع الروائي باتجاهي، لكن الحضور طوقوه وحالوا بيني وبينه».
هكذا اذن يبدو الروائي العربي الذي حازعلى اكثر من جائزة عربية وعالمية، وهكذا اذن لم تفلح اقامته الدائمة وسط جبال سويسرا بما لكل هذه الجبال من قدرة جليدية على تبريد الأعصاب، وغسل أدران التكوينات الصحراوية الأولى، في أن تجعله مثل هذه الخلفية في تحمل سؤال عابر في محاضرة.
وهكذا اذن يمكن للروائي العربي المصنوع من قراءة ابناء جلدته العرب أن تتورم أناه الى الدرجة التي يسمح فيها لنفسه بتجاوز تقاليد الضيافة الاماراتية التي تكفلت بسفره واقامته في أرقى الفنادق. الى درجة العودة الى مرجعية الضرب والاعتداء!!
ان ما فعله الكوني مع الزميل البياري يكشف عن ان بعض المثقفين والمبدعين العرب ما زالوا وبرغم تورم كتاباتهم وانتشارها عربياً وعالمياً، يقيمون في منطقة العصبية القبلية.
ان ما فعله الكوني في الشارقة هو فضيحة ثقافية عربية بامتياز.
( الدستور )