مبادرة لبناء تحالف أهل الخير

الخيّرون في مجتمعنا كثيرون، ويمارسون دورهم في البناء الوطني بلا ضجيج ولا جعجعة، بعضهم معروف وكثير منهم لا يُعرف مكانه ولا يُبصر أثره، وينطبق على بعضهم مصطلح "الجندي المجهول"، وهم موجودون في الشارع، وفي كلّ مفاصل المجتمع، ومؤسسات الدولة الصغيرة والكبيرة، وبعضهم يحتلّ مواقع كبيرة وبعضهم يمارس دوراً قيادياً، وبعضهم الآخر يخدم في الجيش أو الأجهزة الأمنية، أو الوزارات المختلفة أو في مؤسسات المجتمع المدني، وفي الأعمال الخيريّة والطوعيّة، وتلمس عندهم الأمانة العلميّة، والحرص على المال العام وتوخّي العدالة، والإلتزام بالقوانين والأنظمة، والتفاني في العمل.
وفي المقابل هناك قلّة فاسدة، تمارس دورها في اختراق القوانين والتحايل على الأنظمة، والسطو على المال العام، والاستئثار بمقدرات الوطن، وتنشر الفساد أينما حلّت وحيثما ارتحلت، تمارس الغشّ والتدليس، وتتسلق إلى مواقع القرار بالمحسوبية والوساطة، والرشا، ومن خلال الكذب وتشويه الحقائق، ومن خلال اغتيال الأمناء وإبعاد الأكْفاء، من أجل تحقيق الثراء غير المشروع والاستفراد بموارد الدولة، ليس هذا فحسب، بل استطاعت أن تشكل تحالفات شريرة، وانخرطت في أطر خفيّة منظمة من أجل ايجاد قوة ضاغطة للتأثير على مواقع القرار، وأحاطت نفسها بوسائل الحماية، واستطاعت احتلال كثير من المواقع الحساسة التي تضمن لها البقاء والاستمرار، وتوارث المناصب والخيرات، وتوزيع الأعطيات على الأزلام والمحاسيب، والأخطر من ذلك أنّها تسربلت بمصالح الوطن، ونصبت الفزاعات الوهمية التي تبعد المخلصين والأمناء والأكْفاء عن مزاحمتهم.
لماذا لا يتحالف أهل الخير في إطار وطني جامع، على طريق تشكيل قوّة ضاغطة موازية، تأخذ على عاتقها حماية مؤسسات الدولة، وحراسة المال العام وممتلكات الشعب وثرواته من عبث العابثين، وفساد الفاسدين، وتعمل بأساليب علميّة، ومنهجية سليمة، وبطريقة سلميّة علنيّة مكشوفة، تأخذ على عاتقها النهوض بالمجتمع والدولة، وبعث القوة في المؤسسات، والاستعانة بكلّ صاحب خبرة وتجربة، وبكلّ مواطن مخلص غيور على وطنه، ممّن يمتاز بالأمانة ونظافة اليد، والحرص على مقدرات الوطن والاستعداد للبذل والتضحية من أجل نصرة الحقّ العام، وتحقيق المصلحة العامّة.
تحالف أهل الخير، الذي يجمع المخلصين والأمناء والأكْفاء، سوف يشكّل قوة كبيرة لها وزنها ولها أثرها في المجتمع والدولة، وسوف تكون قادرة على تحقيق انتصارات ثمينة في ميدان بناء الدولة ورفعتها، والعمل على فسح المجال للطاقات الشابّة من أهل الإبداع والتميّز الذين يجمعون بين الأمانة والعلميّة والقوة والكفاءة والانتماء المخلص لهذا الوطن، الذي يتمّ التعبير عنه بإتقان العمل وحسن الخدمة، وسوف تلتف حولهم جموع المواطنين الذين يميزون بين الغثّ والسمين، ويعرفون الصادقين كما يعرفون الكاذبين.
إذا بقي الخيّرون متفرقين لا يجمعهم جامع، ولا يؤطرهم إطار سوف يبقون في مستنقع الضعف وصحراء الفرقة والتشتت، تتخطفهم الطير، أو تهوي بهم ريح التنازع في وهدة الاستبداد، وسيبقون عرضةً لمكر تحالف الفساد، الذي عمل مبكراً على احتلال مواقع النفوذ والاستئثار بقوى الضغط، ويمتلك خبرة طويلة، ومكراً تزول منه الجبال، ولذلك لا سبيل لمواجهة أخطبوط الفساد إلاّ بايجاد أخطبوط الخير الذي سيجد أعواناً ويجد مؤيدين كُثراً، على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم ومناهجهم، ولكن سيجمعهم حبهم لوطنهم وحرصهم على أمنه واستقراره وقوته ومنعته ونمائه وتطوره وازدهاره، وأمام الأردنيين تجارب عالمية ناجحة بعضها إسلاميّة، وبعضها غير ذلك، مثل ماليزيا وتركيا، وكوريا الجنوبية وسنغافورة.
فأمام الأردنيين فرصة عظيمة للإنجاز ولإعادة بناء الأردن الحديث المتطور المزدهر، الخالي من الفساد والعبث، وذلك بجهد شبابه وسواعد أبنائه الذين يعبدون الله بعمق الانتماء لترابه، وإتقان العمل والتفاني في خدمته، إذا أخذوا بالأسباب وأدركوا قوة التعاون على البرّ والتقوى، ونبذوا الفرقة والإثم والعدوان . ( العرب اليوم )