الكيان الصهيوني ومنهج الاغتيال

لقد سمعت رئيس جهاز الموساد الأسبق "داني ياتوم" وهو يتحدث في برنامج وثائقي عن بعض عمليات الاغتيال التي ينفذها الجهاز ضد قيادات فلسطينية، بلغة مليئة بكلّ معاني الغطرسة واللؤم، وتعبّر عن الإصرار الدائم والمستقبلي على سلوك هذا المنهج بكل صلف، وبلا أدنى إحساس بالخطأ، أو الشعور بالذنب؛ بل على العكس تماماً، شعورٌ بالزهوّ والفخر والانتفاخ في أعقاب أيّ عملية اغتيال، حتى لو كانت فاشلة.
السؤال الذي تمّ توجيهه "لداني ياتوم" حول الإقدام على تنفيذ عملية الاغتيال داخل دولة صديقة، أو على أرض دولة ترتبط مع "إسرائيل" بمعاهدة سلام فماذا كان الجواب، لقد تفوّه بعبارات وألفاظ قاسية تفيض بكلّ معاني الاستفزاز التي تثير في النفس كوامن النقمة والأخذ بالثأر المصحوب بالغيظ والحنق تجاه كل من يأمن هؤلاء أو يتواطأ مع مجازرهم الدموية الرهيبة، لقد قال ما يلي: "أنا أتحمّل مسؤولية عملية الاغتيال الفاشلة بشكلٍ كامل، ولم أشعر لحظة واحدة بالندم، لقد كان لهذه العملية التي لم تنجح آثار ايجابية كثيرة، أهمّها أن يشعر الإرهابيون أنّهم ليسوا آمنين، وأنّ يد (إسرائيل) طويلة تستطيع أن تنالهم وهم في حضن زوجاتهم، وأيضاً يجب أن يعلموا، ويعلم العالم أنّه لا يوجد مكانٌ آمنٌ للإرهابيين، ويجب أن لا يتوفر لهم الملاذ الآمن، وسوف نتعقب الإرهابيين ونقتلهم حتى لو كانوا خلف الجبال السود، أو وراء البحار الزرقاء..."!.
إنّ من أشرس معارك الكيان الغاصب معركة الاغتيالات ضد قيادات الشعب الفلسطيني وضد قادة المقاومة، ولقد بدأت هذه المعركة مع بدء الاحتلال ولم تتوقف في كلّ دول العالم، وما زالت هذه المعركة قائمة ومستمرة، وآخر ضحايا هذه المعركة اللئيمة القائد القسامي (أحمد الجعبري)، وقبله (المبحوح) في دبيّ، وقبلهم الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، ويحيى عياش، وأبو شنب وشحادة، وجمال منصور، وسلسلة طويلة من أعظم قادة الجهاد والمقاومة.
أعتقد أنّ خوض المعركة مع هؤلاء عبر الدخول في سجال إعلامي حول من هو "الإرهابي"؟ هل هو المحتلّ الذي يمارس احتلال أرض الغير، ويقتل ويشرد ويدمّر ويغتال، ويسفك الدماء ويقتل الأطفال؟ أم الذي يدافع عن أرضه المحتلة، وشعبه المشرّد وبيوته المهدمة؟ هو أمرٌ غير مجدٍ؛ فهذه معركة باهتة وخاسرة أمام رأي عام عالمي متواطئ مع الأقوياء ولا يرحم الضعفاء.
الحلّ أن يخوض الفلسطينيون معركتهم بالقتل بالمثل، الدم مقابل الدم، والقتل مقابل القتل، والاغتيال بالاغتيال، والعين بالعين، والسن بالسن، وأن يحمل قادة المقاومة الفلسطينية الشعارات التي يرددها قادة الكيان الغاصب، وعليهم أن يقولوا كما يقول وينفذوا ما يقولون؛ بأنّ الإرهابي يجب أن لا يشعر بالأمان، وأن لا يتوافر له الملاذ الآمن، ويجب أن تطاله يد المجاهدين في أيّ مكانٍ في العالم، ما زال المحتلّ يمارس هذه الغطرسة ويصرّ عليها، رغم كل المعاهدات التي عقدت، ورغم كل التنازلات التي حدثت، ورغم كلّ المواثيق والتوقيعات.
وينبغي للفلسطينيين أن يطوروا يداً طويلة، ترصد تحركات قادة الاحتلال، وينبغي أن تكون قادرة على الوصول إليهم في أحضان زوجاتهم، ويجب أن يتمّ الردّ بالمثل سريعاً وعاجلاً على إثر كل عملية اغتيال، بالمستوى القيادي نفسه وبحجم الأذى نفسه. إنّ إدارة معركة الردّ بالمثل معركة عادلة، وسوف يتفهم العالم عدلها عندما تتوافر القوّة.
هذا العدوّ لا يتفهم إلا لغة القوّة، ولا يخضع إلاّ لمنطق القوة، ولا يتعامل إلاّ بقانون القوّة، وكلّ ما هو متاح للعدوّ ينبغي أن يكون متاحاً لنا، ومن سلك سبيل القوّة، لا بدّ أن يحصل عليها، فليس من المعقول بعد نصف قرنٍ من هذا الصراع المحتدم، ثمّ لا نتعلم الدرس، ونعود لنلدغ من الجحر نفسه عشرات المرات.
لا أحد يحترم الضعيف، ولا أحد يقف عند توسلاته الكسولة ولا أحد يقيم وزناً لمنطق المتهالك الذي يتنازل عن حقه، فالقوة في متناول جميع البشر، وسنن الكون تحكمهم وتندرج عليهم، ولكلّ مجتهدٍ نصيب، ولن يزول الاحتلال ولن تعود المقدسات المغتصبة إلاّ بالقوة. ( العرب اليوم )