أربع حروب في واحدة!

حسب آخر احصائية حمراء عن عدد الاطفال الذين قتلوا أو ذبحوا أو تساقطوا تحت البساطير من مختلف الحجوم والالوان والشعارات في سورية هو اربعة اضعاف من يقتلون من الاطفال في اية حرب خلال الفترة ذاتها. وقد تصلح هذه النسبة مدخلاً لقراءة اربع حروب في حرب واحدة، فلبنان من قبل كان ساحة مفتوحة لعدة حروب تحت عنوان حرب واحدة، وقيل يومها ان العالم يخوض حروبه على الساحة اللبنانية.
اما الحروب الاربع في سورية فهي ليست ذات علاقة بالجهات الاربع، بل بأطراف قد تكون الجهات التي قدموا منها بعيدة وذلك تناغماً مع واقع عربي ترعرعت فيه المعارضات في المنافي واصطبغت بألوانها وايقاعاتها.
قد يكون هناك بعد طائفي لهذه الحرب التي لا تلوح لها نهاية وقد يكون البعد الاقليمي ايضاً وثيق الصلة بهذه الحرب ما دامت هناك قوتان اقليميتان هما تركيا وايران تخوضان حرباً باردة على خاصرتي سورية.
أما البعد الثالث فهو دولي، لكنه ليس منقطع الجذور عن الصراع العربي الاسرائيلي، هذا الصراع الذي اصبح شبيهاً باللحية التي تصلح لان تزرع على اي وجه، ويحملها الشيخ والقديس والكلوشا والصعلوك والرسام. وما نشرته صحيفة حريات التركية قبل ايام يستحق التأمل، فهي تجزم بفشل حكومة اردوغان في ان تكون فاعلة اقليمياً وذات بوصلة محكمة، وحسب ما قالت الصحيفة فان تركيا الآن مجرد وسيط وليست طرفاً اذا لم يتوقف المراقب عند الخطب البلاغية لاردوغان.
ان اطالة أمد هذه الحرب ليس لانها كونية كما وصفها المعلم وزير خارجية سورية، وليس ايضا بسبب تعاقب الفيتو الروسي والصيني الذي حال دون تدخل عسكري للناتو حسب الوصفة الليبية، ولكن السبب هو انها عدة حروب في حرب واحدة، وتحتاج الى فك اشتباك كي تتضح، وبالتالي تفرز الاطراف المشاركة فيها.
ولأنها عدة حروب متقاطعة، فان معظم التحليلات التي تتصدى لها تراوح في مكانها، وسرعان ما تعود الى المربع الربيعي الاول، الذي اصبح ايضا مفتاحا ذهبياً لدى معظم الخبراء الاستراتيجيين المتقاعدين في قراءة المشهد العربي على اختلاف المكونات والدوافع والديناميات. وثمة من يلقون الحمولة كلها على الجغرافيا باعتبار دمشق تجسيداً لما يسمى ديكتاتورية الجغرافيا بسبب الموقع، لكن اغفال التاريخ الى هذا الحد وبسذاجة سياحية لا علاقة لها بالسياسة يحول الجملة الى شبه جملة، ويقدم المبتدأ، لكن بلا خبر.
اما المفارقة التي لا نعرف بماذا نواجهها بالدمع أم بالضحك، فهي تلك التي قالها قبل ايام د.
بطرس غالي، عندما سئل عن الأزمة السورية فقد قال ان رقم القتلى حتى لو تجاوز الثلاثين ألفاً يبدو صادماً للعرب فقط، اما المجتمع الدولي فلديه أرقام وصلت الى المليون قتيل كما حصل في رواندة، وترك بطرس غالي الباب مفتوحاً، بحيث تصور بعض من استمعوا اليه ان بيننا وبين رقم المليون عدة اعوام، وما قاله الامين العام السابق للامم المتحدة ليس بشيراً وليس نذيراً ايضاً.
انه عينة من عالم اصابه الجنون ومن عودة التاريخ الى أقسى مراحل توحشه!"الدستور"