أسرار الوضع المتأزم في مصر

نجاح الثورة الشعبية المصرية الحديثة بالإطاحة بنظام مبارك الاستبدادي الذي كان يشكل ركن الرحى للنظام الاستبدادي العربي كلّه، أدّى إلى إيجاد صدمة لدى جميع القوى المناهضة للمشروع النهضوي العربي الإسلامي الكبير على المستويين المحلّي و الخارجي، ولذلك تداعت هذه القوى لتشكيل تحالف كبير للحيلولة دون نجاح هذا المشروع ومنع تقدمه، وإيجاد العوائق وخلق الأزمات المتلاحقة التي تؤدي لإفشاله وإرباك القائمين على هذا المشروع، وشلّ قدرتهم على التفكير الاستراتيجي وإشغالهم الدائم والمستمر في تجفيف هذا المستنقع من الأزمات والمشاكل التي لا تنتهي، وتتجلّى أهمّ معالم هذا المخطط بما يلي:
أولاً: الاستناد إلى قوّة العسكر، من خلال إحكام قبضة المجلس العسكري على مقادير البلاد، ومنحه سلطات دستورية واسعة، وتقليص سلطات الرئيس، حتى يكون عاجزاً عن تسيير أمور الدولة، وقد استطاع الرئيس إحباط هذا التوجه وأفشل المخطط القائم على هذا المسلك.
ثانياً: الاستناد إلى الجهاز القضائي والمحكمة الدستورية خاصة، التي تمّ تشكيلها في عهد النظام السابق وإعطائها دوراً سياسياً، يستطيع من خلاله إبطال دور المؤسسات السيادية الأخرى، وقد نجحت المحكمة بإصدار قرار بحلّ مجلس الشعب الذي يشكّل الإسلاميون فيه القوة الضاربة التي تزيد على ثلثي أعضاء المجلس، وبهذه الخطوة تمّ خلق فراغ تشريعي كبير، أدى إلى وجود أزمة سياسية خطيرة، ينعكس أثرها سلباً على أداء القوة السياسية المهيمنة على إدارة الدولة، وهذا النجاح أغراهم بمواصلة هذا المسار.
ثالثاً: تشكيل تحالف كبير من جميع القوى المناهضة للمشروع النهضوي الإسلامي، وهو تجمّع خليط يشمل فلول النظام السابق وأعضاء الحزب الوطني الذي يضمّ جميع المتنفذين وأصحاب المال والثروة والشخصيات التقليدية، وتجمّع الليبراليين والنخب المتغربة، وكثير من القوى اليسارية والقومية، وأصحاب المصالح المتضررين من عملية التغيير، الذين يجمعهم جميعاً عداؤهم للتغيير وللمشروع النهضوي العربي الإسلامي، وهؤلاء استطاعوا على اختلاف توجهاتهم وتباين أفكارهم تشكيل جبهة عريضة تهدف إلى إسقاط التجربة الجديدة مهما كان الثمن.
رابعاً: استخدام الإعلام، وتضليل الرأي العام المصري عن طريق شبكة الإعلام التي تمّ بناؤها في عهد النظام البائد، واستخدام الفضائيات والصحف والمواقع التي يملكها تحالف القوى المناهضة للمشروع النهضوي الإسلامي، واعتماد سياسة تشويه التجربة الجديدة، والهجوم الدائم على الرموز والأحزاب والقوى الإسلامية، ونشر الشائعات والأكاذيب، وتضخيم الأخطاء، والتعبئة المضللة التي تقوم على تقنية اجتزاء الحقائق، وتخويف الأقليات.
خامساً: إعاقة عملية تدوين الدستور، ومحاولة خلق العراقيل أمام عمل اللجنة التأسيسية، وفي هذا الصدد تمّ كشف مؤامرة حديثة يقوم على حبكها التحالف المناهض للمشروع النهضوي الإسلامي الذي يضمّ جميع القوى السابقة، وذلك بإعادة السيناريو السابق عن طريق الجهاز القضائي والمحكمة الدستورية، يقوم على اتخاذ الخطوات التالية:
1- إصدار حكم ببطلان انتخابات مجلس الشورى، وإصدار قرار باعتباره منحلاً على غرار ما تمّ بمجلس الشعب؛ من أجل زيادة الفراغ التشريعي، وزيادة الارتباك في المشهد السياسي المحلي.
2- إصدار حكم بحلّ اللجنة التأسيسية للدستور الجديد؛ من أجل إعاقة عملية البناء الدستوري، وإرجاع الدولة إلى المربع الأول، ومن أجل الحيلولة دون نجاح تجربة التغيير بإيجاد دستور جديد يعكس توجهات الشعب المصري الذي التفّ حول القيادة الإسلامية.
3- إصدار حكم ببطلان عملية انتخاب الرئيس "مرسي"، ممّا يؤدي إلى إصدار قرار بعزل الرئيس المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، وهذا يؤدي بالضرورة إلى احتمالين؛ الأول مجيء "شفيق" المرشح المنافس إلى سدّة الحكم، أو الاحتمال الثاني وهو الأقوى الذي يقضي بإعادة الانتخابات الرئاسية، التي ستؤدي ـ في اعتقادهم ـ إلى فشل الرئيس "مرسي" بالفوز مرة أخرى.
4- استمرار حملة المناهضة الشعبية وخلق حالة من الفوضى، واعتماد أسلوب التخريب وحرق مقرات "حزب الحرية والعدالة" وجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار الهجوم الإعلامي على الرئيس المنتخب، وتهييج القضاء وزجّه في المعركة.
لقد اكتشفت مؤسسة الرئاسة المخطط ؛ ممّا جعل الرئيس "مرسي" يسارع بإصدار الإعلان الدستوري الأخير واتخاذ القرارات الرئاسية الأخيرة بسرعة ودون إبطاء؛ لإحباط هذه المؤامرة واستباق هذه المخططات الخطيرة على مستقبل مصر وثورتها .
( العرب اليوم )