مبادرة وطنية جديدة

لقد دعيت إلى اجتماع تشاوري ضمّ مجموعة كبيرة من الشخصيات الأردنية تزيد على خمسين شخصية وطنية يجمعها الهمّ الوطني العام في ظلّ الانسداد السياسي والأزمة الاقتصادية الخانقة، والتوتر الاجتماعي الكبير، في فندق أبراج زمزم يوم السبت (24 /11/ 2012م)، وطرحت في الاجتماع ورقة تتضمن طرح مشروع مبادرة جديدة، تقترح إطاراً وطنياً جامعاً يتسع لكلّ الطاقات والكفاءات من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية، بغض النظر عن الانتماءات الحزبية أو التنظيمية.
أغلب الحاضرين كانوا من أصحاب التوجهات الإسلاميّة وبعضهم منخرط في الحركة الإسلامية، ولكن لا يمنعهم ذلك من البحث عن ميادين العمل والبناء الوطنية الرحبة الفسيحة التي لا تتعارض مع فكرة الحركة الإسلامية وغاياتها الكبرى، بل على العكس، هي تخدمها وتتكامل معها ولا تزاحمها.
ركّز الحاضرون على نفي الحس المناكف لأية جهة سياسية أو غير سياسية، بل اعرب كثير من المتحدثين عن الرغبة في الهروب من لجّة الخلاف، والبعد عن هدر الوقت والجهد والطاقة في الاختلاف والمناكفة، في ظلّ الحقيقة التي تقول إنّ مساحة العمل الوطني تتسع لكلّ من يريد العمل أو الخدمة أو الإنجاز، والأصل ألا تكون الاختلافات في الرأي والتباين في وجهات النظر عائقاً أمام خدمة الوطن أو الإسهام في إنجاز مشروع الإصلاح الوطني.
أعتقد أنّ (الإخوان المسلمين) فكرة وروح، قبل أن تكون حزباً أو تنظيماً، بل إنّ الإمام الشهيد المؤسس حسن البنا أعلن بصراحة وهو يخاطب أتباعه قائلاً:"أنتم لستم حزباً سياسياً، ولا جماعة خيرية، ولا نادياً رياضياً، ولا شركة اقتصادية، ولا هيئة اجتماعية، أنتم فكرة تضم كل المعاني الإصلاحية، أنتم روح جديد تسري في هذه الأمّة فتحييها بالقرآن العظيم".
ولذلك كل من يخدم الأمّة، ويحرس الوطن، ويصلح في المجتمع، ويحارب الفساد، ويدافع عن مصالح المستضعفين، ويعمل على ترسيخ العدالة ونصرة قيم الحق، ونشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة، فهو من الإخوان، أو من أنصار فكرتها الجامعة، بل إنّ فكر الجماعة المستنير وأهدافها العامّة وغاياتها الكبرى تدفع نحو الانطلاق في المجتمع، والانخراط في العمل الشعبي، وإيجاد المبادرات الفردية والأطر العملية الإصلاحية، والتعاون مع كلّ العاملين في الساحة الوطنية إلى كل ما يحقق خير هذا الوطن وخير هذه الأمّة.
من أعظم العوائق أمام نجاح الحركة الإسلامية أحياناً في بعض الأقطار أن يتسلل الأفق الضيق والفكر الضحل إلى بعض القائمين عليها، أو بعض الذين تسللوا إلى مواقع القيادة، وهم ليسوا أمناء على فكرتها ولا رسالتها، وحولوها إلى إطار حزبي فئوي ضيّق، لا يتسع إلى من يشاركهم الفكر والعمل، فكيف بقدرتهم على استيعاب الطاقات والكفاءات المبثوثة في المجتمع.
هذه المبادرة نبهت إلى ضرورة ألا يطغى الجانب السياسي على الجوانب الأخرى، والأصل ألا تزيد مساحة العمل السياسي عن 20% من خارطة العمل الفسيحة التي ينبغي أن تغطي الجوانب الاجتماعية والجوانب التربوية والعلمية المساحة الأوسع والأرحب؛ من أجل إعادة توجيه البوصلة إلى ضرورة الإنجاز في البناء الاجتماعي الذي يشكل الحاضنة الحقيقية للإنجاز السياسي.
نرجو أن تشكل هذه المبادرة رافداً من روافد الإصلاح الوطني الشامل، و تسهم في ترشيد العمل السياسي، و بناء البيئة الصحية لإنتاج سبل التعاون والمشاركة الفاعلة نحو إيجاد انفراج سياسي ومخرج للأزمة المستفحلة في كلّ المجالات .
( العرب اليوم )