من كل عقلك ؟

هذا المقال بمناسبة ما ينشر ويقال من آراء تدافع عن إجراءات الرئيس المصري محمد مرسي الأخيرة الخاصة بتوسيع صلاحياته وتحصين قراراته، والتي تشكل الآن سبباً لأزمة سياسية وقضائية واقتصادية واجتماعية كبرى في مصر. أكتب بالمناسبة فقط، ولن أناقش أياً من الآراء او أصحابها، فقد أشبعها المصريون أنفسهم نقاشاً من كل الأصناف والمستويات. ولكن غايتي من الكتابة هنا أن اتمكن فقط بعد اذن المدافعين عن مرسي من سؤالهم: هل تتكلمون من كل عقولكم؟ والآن اسمحوا لي بالابتعاد قليلاً عن مرسي وعن خصومه ومناصريه أيضاً: إن سؤال "من كل عقلك؟" يعد سؤالاً ذا مكانة خاصة في تقاليد النقاش عند الأردنيين. إنه سؤال ينطوي على صدمة أولية لكنه يحمل تقديراً مؤقتا من نوع خاص للرأي الآخر حتى لو كان ضحلاً. إنه سؤال مصاغ بطريقة ديمقراطية لأنه يوفر فرصة إعادة النظر، بل يعطي مخرجاً للتفكير مجدداً وإعادة صياغة الموقف. إن سؤال "من كل عقلك؟"، يعد بهذا المعنى تنبيهاً الى ضعف الفكرة المطروحة، وهو يحتوي تقييماً سلبياً ولكنه غير مطلق وقابل للتعديل الفوري بما يمكّن صاحب الفكرة الضعيفة من التخلص من الحرج الناتج عن ضعفها. في أغلب الحالات يسرع مَن يوجه اليه مثل هذا السؤال الى التعديل والتوضيح، ولكنه في بعض الحالات يختار الاصرار على موقفه مع صعوبة الاعتراف حرفياً بأن موقفه ناتج عن اسخدام "كل عقله" فعلاً، وهنا قد يلجأ الى شتى عمليات "اللّتوَهَة" و"المغمغة" و"الغمغمة" بما يكفي للإشارة بأن هناك جزءً آخر من العقل لم يستخدم بعد، وهو بدوره ما يعطي قدراً من التفاؤل بامكانية استخدامه مستقبلاً.
( العرب اليوم )