عرفات إذ يُطل على شعبه مجدداً

تم نشره الأربعاء 28 تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 01:37 صباحاً
عرفات إذ يُطل على شعبه مجدداً
عريب الرنتاوي

يأبى الزعيم الراحل أن يفارق شعبه..أمس خرج “أبو الوطنية الفلسطينية المعاصرة” من قبره، ليحيي أهل غزة الشجعان على صمودهم الأسطوري في وجه آلة الحرب والدمار الإسرائيلية، وليُعرب عن رضاه عن أهل الضفة الذين نفضوا عن أنفسهم غبار “الصمت” وعادوا لمزاولة يوميات الغضب الفلسطيني ضد الاحتلال..عادوا ليودعوا قوافل الشهداء، بعد سنين عجّاف نسينا فيها أن “للحرية الحمراء بابٌ..بكل يدٍ مضرجة يُدق”.
تأبى روح ياسر عرفات الوثّابة، أن تطويها حفرة صغيرة أو أن يأسرها جسدٌ أعياه السم الزعاف..أمس كانت روح “أبو عمّار” تحوم في سماء غزة والضفة والمغتربات، وتجول في أزقة المخيمات، كل المخيمات، التي خبرها عرفات واحداً واحداً..تُذكّر الفلسطينيين بأن مشوارهم مع العودة والحرية والاستقلال، ما زال طويلاً..وأن مواسم التضحيات والبطولة، ليست وراءهم بل أمامهم وبانتظارهم.
لا أدري إن كان بمقدور الفحوصات المخبرية الدقيقة التي ستُجرى على الجثمان الطاهر، أن تقيس “مستوى الرضى” عند مؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية..لكنه اليوم بكل تأكيد، أكثر “سلاماً” مما كان عليه قبل أسابيع وأشهر معدودات..فثمة فسحة من أمل وتفاؤل، سمحت لعرفات بالخروج من معزله للقاء شعبه..لقد خرج من ضريحه ليشير بأصابع الاتهام إلى الجناة الذي قتلوه سُماً وغيلةً، مثلما قتلوا آلاف الفلسطينيين من بعد استشهاده في غزة والضفة والقدس..لقد خرج من قبره ليعيد تذكيرنا جميعاً بأن “شبلاً فلسطينياً وزهرة فلسطينية” سوف يرفعان علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائسها.
لو قُدر له أن يلقي خطاباً في شعبه كما اعتاد دائماً، لطالبه بملاحقة الجناة والقتلة في إسرائيل، ليس لأنه كان واحداً من ضحاياهم، بل ثأراً لمئات الأطفال والنساء وألوف الشهداء وملايين المشردين من أبناء شعبه..ولكان أقرى شعبه السلام من فارس عودة ومحمد الدرة، وسينقل له تحيات الشهداء البررة من خليل الوزير وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى وفتحي الشقاقي وغيرهم كثر..ولكان استدعى على عجل، “القيادة الفلسطينية” لاجتماع طارئ يبحث فيه ما بعد غزة وما بعد نيويورك، فالحال الفلسطيني من بعد ياسر عرفات، لا تسر صديقاً ولا ترهب عدوا.
ولو قُدر له أن يقضي بضع سويعات إضافية مع إخوانه في “القيادة” في جلسة مصارحة ومراجعة، لكال لهم اللوم والعتب، وربما النقد الجارح على طريقته، لما آل إليه حالهم من ضعف وتفك وتآكل في الروح الكفاحية، عبّدت الطريق لخصومهم ومنافسيهم، لاستلام زمام المبادرة، ولكان عرض على مسامعهم من جديد، حكاية “البندقية بيد وغصن الزيتون بيد”، وهو الذي قاتل وفاوض، ولم يغلق الباب يوماً في وجه أي خيار.
سيسأل عن منظمة التحرير الفلسطينية التي أعاد بعثها منذ أن قرر انتزاعها من بين يدي “النظام العربي الرسمي”، وسيبدي غضبه لضعفنا في مقاومة محاولات القفز من فوقها، والعودة بعقارب الساعة للوراء...سيسأل عن اللاعبين الجدد الذين ينتوون اختطافهما أو قتلها بالصمت والتجاهل، وإدارة أهم الملفات الفلسطينية من خلف ظهرها، تارة بحجة “الأمر الواقع” في غزة، وأخرى تحضيراً لحلول وتسويات، ظاهرها فيه “الورع” وباطنها فيه التفريط.
سيسأل عن السلطة التي أراد لها أن تصبح دولة من دون أن يفلح في ذلك، سيثني على جهود خليفته في تكريس الاعتراف بالدولي بفلسطين، فهو الذي طالما ناضل وكافح من أجل أن تعود فلسطين إلى جغرافيا المنطقة وخرائطها، بعد سنوات من الضياع والتبديد، لكنه وهو الذي أطلق الرصاصة الأولى في الانتفاضة الثانية، لن يرضيه أبداً أن تتحول السلطة إلى “وكيل أمني” للاحتلال، و”منطقة عازلة” بين جنوده ومستوطنيه من جهة و”شعب الجبارين” من جهة ثانية..عرفات ما كان ليقبل بنفسه، وهو لن يقبل لخلفائه، الجلوس على مقاعد الانتظار..عرفات الذي لم يخلع “الفوتيك” يوماً، لن يرتاح باله طويلاً وهو لا يرى في أيدي رفاقه سوى أغصان الزيتون والأمنيات الطيبات.
وقبل أن ينهي إطلالته القصيرة على شعبه، لن يفوته ترك وصيةٍ لم يسعفه السم الزعاف لكتابتها..طريق الفلسطينيين للعودة والحرية والاستقلال، طويلة ومؤلمة ومكلفة..وكل الخيارات والأوراق و”أشكال الكفاح” فيها عادلة ومشروعة..ومطاردة إسرائيل في كل ساحة ومنبر ومحفل وخندق، فريضة عين على كل فلسطيني وفلسطينية، وعلى العرب والمسلمين أجمعين، ومن ورائهم كل الأحرار والشرفاء في العالم، كما ظل يقول ويردد، من دون كلل ولا ملل..أما منظمة التحرير فهي وطن الفلسطينيين إلى أن يتحرر وطنهم، ووحدتهم الوطنية هي ضمانة النصر الأكيد.
نحمد الله أن ياسر عرفات خرج مجدداً إلى شعبه في ظروف أفضل، بعد نصر غزة المتحقق ونصر نيويورك الوشيك، وبعد أن عادت نسائم الوحدة والمصالحة تهب على الشعب الفلسطيني من جديد، لا يعيقها “نعيق الغربان” وتربص المتربصين.

( الدستور )

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات