لا يجوز التهوين من حجم وأثر الإجراءات المالية التي اتخذتها الحكومة مؤخراً ، حتى لو صح أنها لا توفر للخزينة سوى نصف مليار دينار في السنة. نفهم التهوين من شأن هذه الإجراءات إذا كان المقصود أنها غير كافية ولا تحل المشكلة ، فهي خطوة أولى على طريق تصحيح أوضاع المالية العامة ، وستكون هناك إجراءات أخرى في المدى القصير والمتوسط. فرض ضرائب أو إلغاء إعفاءات أو رفع أسعار ليست فقط أدوات جباية لصالح الخزينة ، ولكنها تؤثر على سلوك المواطنين بالاتجاه الصحيح أيضاً ، فرفع أسعار البنزين مثلاً يؤدي إلى تقليل استعمال السيارات للأغراض غير الضرورية ، وزيادة الرسوم على المشروبات الكحولية والسيجار إلى حد معين تؤدي لتقليل استهلاك هذه المواد الضارة ، ورفع أسعار الكهرباء يؤدي لتخفيض الاستهلاك غير اللازم وبالتالي تخفيض فاتورة الطاقة المستوردة وهكذا.  هذه الإجراءات لا تمس بشكل مباشر قطاع الفقراء الذين لا يملكون سيارات فارهة ولا يستهلكون أكثر من 600 كيلووات/ساعة من الكهرباء شهرياً ولا يدخنون السيجار ، وبالتالي فإنها أداة اجتماعية لتحميل الفئات القادرة عبئاً أكبر في دعم الخزينة وتمويل شبكة الأمان الاجتماعي. تثبيت أسعار المحروقات كان محرقة للمال العام ، ولا يجلب للحكومة سوى المسيرات والهتافات المعادية ، أما الوضع المثالي فهو أن تفرض الحكومة رسوماً جمركية على البترول والمشتقات المستوردة مثل كل المستوردات ، وضريبة مبيعات مثل كل المبيعات ، أما كلفة المادة المستوردة فلا تتدخل الحكومة بها بل تتحدد على ضوء الواقع ، وبذلك ترتفع أو تنخفض أسعار المحروقات محلياً تمامأً كما ترتفع وتنخفض أسعار الأدوية وغيرها دون أن تثير ضجة شريطة إلغاء احتكار المصفاة وفتح باب الاستيراد الحر على مصراعيه.  لاسباب سياسية يقف كثيرون عند رفع الأسعار عندما يتعلق الأمر بقرار حكومي باعتبار ذلك فرصة لإحراج الحكومة ، ولكن أحدأً لم يتحرك لأن أسعار الأدوية للمستهلك تزيد بنسبة 46% عن الكلفة الحقيقية كأرباح إجمالية مثبتة للمستودعات والصيدليات ، ولكنهم يقفون عند 4% ضريبة مبيعات على الأدوية. خلافاً للماء والكهرباء والمحروقات ، فإن الطلب على الدواء لا يتمتع بالمرونة ولا يستطيع المريض أن يخفض حاجته منها. ولا معنى لكون أسعار الأدوية في الأردن أعلى منها في ألمانيا. مشاكل الأردن الاقتصادية كانت تتفاقم بسبب التأجيل والترحيل ، وقد جاء الوقت لمواجهة الحقائق.

( الراي )