ماذا بعد الدولة غير كاملة العضوية؟!
.jpg)
عندما كانت النقاش مطروحا حول مشاركة حماس في انتخابات سلطة أوسلو 2006، طُرح سؤال عن سيناريو عدم المشاركة. كان الرد ببساطة إن برنامج محمود عباس يتلخص في رفض المقاومة والتعويل على المفاوضات والدبلوماسية والمواقف الأمريكية والغربية.
وحين تشارك فتح وحدها في الانتخابات (قدرة الباقين على المنافسة محدودة)، فسيؤدي ذلك إلى صراع كبير في صفوفها، مع العلم أن خلافات الحركة حتى مع مشاركة حماس هي التي منحت الأخيرة فرصة الفوز الكاسح في نظام الدوائر (نصف المقاعد) مع تفوق طفيف في نظام القائمة. الأهم أن الشعب الفلسطيني سيمنح عباس فرصة لن تطول من أجل امتحان برنامجه (ربما تكون ما بين سنتين وأربع سنوات في أعلى تقدير)، وحين يعلن فشله سيعود الناس إلى حملة برنامج المقاومة من جديد، تماما كما حصل بعد رحلة أوسلو الأولى التي امتدت من أيلول 93 إلى أيلول 2000، حين اندلعت انتفاضة الأقصى بعد شهرين من قمة كامب ديفيد التي أكدت عبثية مسار التفاوض.
مشاركة حماس في الانتخابات وما ترتب عليها بعد ذلك من مشاكل، وصولا إلى الحسم العسكري والانقسام بين الضفة وغزة منحت الرحلة القصيرة لعباس عمرا أطول بكثير، في ذات الوقت الذي منحته فرصة السيطرة على السلطة والمنظمة وفتح تبعا لوجود عدو تتوحد الحركة (فتح) في مواجهته ممثلا في حماس “الانقلابية”!!
رغم ذلك، كان على عباس، ولكي يتجنب الإجابة على سؤال البديل عن فشل مسار التفاوض، بخاصة بعد فشل مفاوضاته مع أولمرت، كان عليه أن يدير عملية إعادة تشكيل للوعي في الضفة الغربية من خلال إشغال الناس بالمال والأعمال وبناء الدولة، مع تركيز مفرط على الأمن والتنسيق الأمني الذي يلاحق فكر المقاومة؛ وليس فقط برنامجها في المساجد والجامعات وسائر المؤسسات، كما استخدم في السياق ما تيسر من حشد ضد “حماس الانقلابية”، والتي قدمت له من خلال بعض ممارساتها وخطابها بعض الأسلحة، الأمر الذي زاد في إحباط الشارع الفلسطيني.
إلى ذلك، أضاف عباس خطابا يظهره بمظهر الحريص على إنهاء الانقسام مقابل حماس التي تتحفظ عليه، من دون أن يقول للناس ما سيترتب على إنهاء الانقسام بصيغته المطروحة (انتخابات رئاسية وتشريعية) غير إدخال قطاع غزة في لعبة التفاوض والدولة تحت الاحتلال إلى جانب الضفة الغربية، أو حصار وعقوبات على السلطة في حال فازت حماس.
الأهم من ذلك، ولكي يتجنب سؤال البديل عن فشل المفاوضات، كان عليه افتعال معارك هنا وهناك تشغل الشارع الفلسطيني وتعلقه بآمال معينة، مع مساعي إظهار نفسه بوصفه المتشدد الذي يرفض العودة إلى المفاوضات مع استمرار الاستيطان، مع أنه فاوض أولمرت ثلاث سنوات والاستيطان في أعلى معدلاته. ولا تسأل عن التنازلات التي قدمها وفضحتها وثائق التفاوض من دون أن تشبع شهية أولمرت وليفني للمزيد.
من تلك المعارك التي افتعلها معركة الاعتراف بالدولة من خلال مجلس الأمن، وحين فشل فيها شرع يدير معركة جديدة تتمثل في طلب الاعتراف من الأمم المتحدة بدولة غير كاملة العضوية، وقد قدّم المعركة على أنها استشهادية قد يفقد فيها حياته؛ مستشهدا بتصريحات حارس ملهىً ليلي يمتهن المزايدة ولا يلتفت لتصريحاته أحد (أعني ليبرمان)، فضلا عن تهديدات بوقف المساعدات أو عقوبات أخرى، متجاهلا الموقف الذي أجمع عليه قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ممثلا في رفض أية عقوبات على السلطة بسبب توجهها للأمم المتحدة، هي التي صممت أصلا لخدمة الاحتلال.
لا يقول لنا عباس ما الذي سيترتب على غزوة نيويورك هذا اليوم، والتي تبدو مضمونة النجاح، اللهم سوى شطبها الضمني لمنظمة التحرير وتحويل النزاع إلى نزاع حدودي بين دولتين، ما يعني دولة مؤقتة (دون اعتراف بذلك) يهرب من سؤالها باتهام حماس بها؛ في معزوفة مملة يكررها وكبير مفاوضيه منذ سنوات، وهي دولة يجري تكريسها بجهود سلام فياض الاقتصادية إلى جانب التنسيق الأمني بإشراف الأمريكان، وكل ذلك بشرعية منه كرئيس، وهي صيغة معروفة سماها شارون الحل الانتقالي بعيد المدى، وسماها الآخرون دولة مؤقتة، بينما سماها نتنياهو السلام الاقتصادي.
يستمر الاستيطان ويتصاعد، وكذلك التهويد في القدس، بينما يتواصل التنسيق الأمني دون توقف، مع هدايا مجانية من عباس مثل تنازله عن حق العودة، وكل ذلك على مشارف غزوة نيويورك التي لن تعود على الفلسطينيين سوى بتأبيد نزاعهم مع العدو مع بقائهم ضمن دولة تحت الاحتلال ينتظر رئيسها إذنا من العدو كي يدخلها أو يخرج منها. وإذا سألته عن كيفية تحرير أراضي الدولة، فسيقول لك: من خلال المفاوضات والضغط الدولي!! أما الاحتجاج بمعارضة أمريكا والكيان الصهيوني للخطوة فليس مقنعا، والأرجح أنهم يريدون إعطاءها وزنا سياسيا يفيد عباس في سياق ترميم وضعه الداخلي. وهنا لا ندري لماذا تورطت حماس في تأييد الخطوة؟!
قلنا إن الانتصار الرائع في قطاع غزة يفسح المجال أمام حماس والجهاد لطرح مشروع توحيد الفلسطينيين من خلال إعادة تشكيل منظمة التحرير بانتخابات في الداخل والخارج، مع إدارة مدنية بالتوافق للسلطتين في الضفة وغزة، وبعد ذلك التوحد خلف انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية تطرح شعار دحر الاحتلال دون قيد أو شرط من الأراضي المحتلة عام 67، كمقدمة لتحرير شامل حين تتوفر الظروف المناسبة. ولا شك أن أجواء الربيع العربي والأجواء الدولية عموما ستخدم مشروعا كهذا وتجعله أكثر قابلية للنجاح.
وإذا ما رفض عباس كما هو مرجح، أو ماطل وأصرَّ على انتخابات السلطة، فسيكون الأمل معقودا على شعب حي لن يقبل باستمرار هذه المهزلة، وسيفرض على جميع القوى تصحيح مسارها بعد إطلاقه انتفاضة شاملة ضد الاحتلال تعيد القضية إلى سكتها الصحيحة وتستفيد من أجواء الربيع العربي. متى سيحدث ذلك؟ لا ندري.
( الدستور )