ماذا أكتب عن سورية؟

شكا قارئ في رسالة الكترونية مباشرة أرسلها اليّ من أنني لا أكتب عن المأساة في سورية، وإنما أجد أن ما يستحق التعليق غداء مع «الفلول» في القاهرة، أو افتتاح مسرح في البحرين، أو معرض الكتاب في الشارقة، أو مؤتمر فكري في دبي.
هذا صحيح، ولكن، عندي عذر ربما فهمه القارئ وقبِلَه.
في مصر حاولت أن أرصد حكم المواطنين على أداء النظام الجديد. وفي البحرين تابعت نشاط بعض قيادات المعارضة الشيعية الموالية لإيران التي أتهمها بتعطيل حصول المواطنين على طلبات محقة، وفي الشارقة سعدت بين الكتب فعملي أن أقرأ وأكتب و «خير جليس في الزمان كتاب».
ماذا أكتب عن سورية؟ كان صديق سوري معارض أكد لي قبل أسبوعين أن المعارضة المسلحة ستركز على دمشق ولم أستطع تأكيد الخبر من مصدر آخر فانتظرت. باستثناء ذلك منذ آذار (مارس) 2011 لم يتغير شيء. النظام يقتل المواطنين والمعارضة منقسمة على نفسها. الدول العربية التي أيدت المعارضة قبل 20 شهراً لا تزال تؤيدها، والدول التي نأت بنفسها عن أحداث سورية لا تزال تفعل. الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا، تفرض عقوبات على النظام السوري وتصادر أموال أنصاره حيث وجدت، وروسيا والصين تحميان النظام بالفيتو في مجلس الأمن. إيران تؤيد النظام السوري بالسلاح والمال، وتأمر حليفها اللبناني حزب الله بتأييده، وهي تدافع عن نفسها قبل أن تدافع عن نظام الدكتور بشار الأسد، فليس لها حليف غيره وسقوطه سيتركها في عزلة قاتلة.
الوضع هو هو قبل 20 شهراً وقبل عشرة شهور واليوم، وإن اختلف بعض الأسماء. فبعد المجلس الوطني والجيش الحر أصبح عندنا أسماء من نوع الإئتلاف الوطني السوري، وجهاز الاستخبارات العامة للثورة السورية، مع بقاء الخلافات فالجماعات الدينية تعارض الإئتلاف والأكراد يتصدون للجيش الحر.
أزعم أن سورية بلدي. العلاقات الإنسانية غير السياسة، وشخصياً لم أفرق يوماً بين لبنان وسورية والأردن وفلسطين ومصر وكل بلد عربي، فأنا من جيل سيموت على حلم الوحدة العربية. نصف أصدقائي من الطلاب السنّة أيام المدرسة الثانوية في بيروت كانت أمهاتهم سوريات، فالتاجر في سوق سرسق إذا اغتنى يطلب زوجة سورية حسناء بيضاء «على الخِبي» لأنها تتجنب الشمس.
سورية بلد كل لبناني بعيداً من السياسة، وقد أشتم «أبو الساعة وأمها» إلا أنني لا أملك غير ذلك لأنني لا أملك أن أغيّر الوضع بل أن أراقب فصول المأساة ثم أدعو ربنا أن يرأف بأهل سورية.
في المقابل، أعترف بتقصير مع ليبيا، ففي أيام القذافي كنت على عداء مع النظام ولم أزر ليبيا إطلاقاً حتى الآن، ومعرفتي بالقادة الجدد محدودة، وقد عاتبني ديبلوماسيون ليبيون في البحرين على تقصيري وكان عذري هو أنني بحاجة الى معلومات من صانعي الأخبار في ليبيا، ولا أريد أن أنقل عن مصادر أجنبية، أو أبدي رأياً لا تسنده معلومات خاصة من داخل ليبيا. هذا الوضع لا بد أن يتغير، والمشكلة أن في كل بلد عربي مشكلة فأقصر نفسي على ما أعرف جيداً وما أثق بمعلوماتي عنه.
لن أكتفي بسورية وليبيا اليوم، وإنما أعطي القراء بعض حقهم، ومنه معارضة أي رأي لي لأن الرأي ذاتي يصيب ويخطئ بعكس ما أسجل من معلومات فهي دائماً موثقة وأحتفظ بالوثائق شهوراً خشية أن أسأل عنها. وقد وجدت أنني لا أكتب عن ايران إلا وأتلقى تعليقات تجمع الرأي وعكسه. موقفي من ايران بأوضح عبارة ممكنة تأييد البرنامج النووي العسكري لتصنع الدول العربية مثله، ومعارضة إحتلال جزر الإمارات والتدخل والتحرش والإعتداء أحياناً على دول الجوار، وانتهاج سياسة فارسية بعباءة دينية. هذا موقفي والقارئ حر أن يؤيد أو يعارض، فأتلقى عن الموضوع الواحد أنني معادٍ لايران وأنني صفوي.
في موضوع التحالف بقيادة الأزهر بين الكنائس المسيحية المعارضة لاسرائيل والمسلمين، وجدت بين التعليقات رسالة تقول: نعم أشاركك الرأي في كل كلمة كتبتها، وأخرى تقول: هذا كلام سخيف يا أستاذ جهاد، نحن وين وأنت وين.
بما أن مصادري غير مصادر قارئ الصحافة ليست مهنته فإنني أؤكد للقراء أن هناك حملة قديمة مستمرة متزايدة وسط عدد من الكنائس المسيحية، خصوصاً في الولايات المتحدة، لمقاطعة اسرائيل، وقيام حلف، أو لوبي، مسيحي – إسلامي، ضدها ممكن جداً، فأرجو الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن يقود الجهد.
( الحياة اللندنية )