مصر وحكاية إبريق الزيت!!

لولا خشيتنا من التكرار الممل لعدنا مرة أخرى إلى عام 1979 وتقارير رولفويتس المتعلقة باسقاط نظم، وتفكيك دول سواء من خارجها أو من الداخل، وهذا غيض من فيض كما يقال، أما حكاية ابريق الزيت فهي لمن لم يسمع بها حكاية شعبية فلسطينية تروى عندما يكون الحوار من طرف واحد، أو بين طرشان بحيث تتكرر عبارة احكيلك عن ابريق الزيت بعد كل كلمة تصدر عن السامع، والكلام الدائر عن الحوار لا في مصر وحدها بل في العالم العربي كله، يبدو أقرب الى ذريعة لتبديد الوقت، وكأن مائدة الحوار خارج مجال جاذبية الواقع وتقع بين الغيوم سواء كانت مستديرة أو مستطيلة أو حتى شبه منحرف.
الحوار الآن في مصر مقطوع والفاصل الذي وعد المشاهدين باستئنافه استمر الى أجل غير معلوم، فالرئاسة تصر على قراراتها وخصوصاً ما يتعلق بالدستور، والمعارضة بمختلف أطيافها تصر على الرفض، والحوار تحول الى اشتباكات في الميادين والشوارع، سواء بالأيدي أو بالكلمات أو الحجارة، لهذا أصبح الأفق مسدوداً أو شبه مسدود وانفراج الأزمة ليس كما يتأمل البعض هو نتيجة لاشتدادها، فالانفجار هو الأقرب ما دام الطرفان قد اقتسما الطين والعجين لسد الآذان تاركين الشارع ينوب عنهما، والشارع ليس لديه حدود بسبب غياب التقاليد الديمقراطية التي تفرض احتراماً متبادلاً بين شركاء الوطن الواحد والقضية الواحدة، بالأمس رفعت صور لاعلاميين بارزين وقد كتب عليها ما نعفّ عن ذكره لبذاءته.. وشعارات الرحيل والاسقاط عادت بطبعة منقحة بعد عامين فقط من نفاد الطبعة الأولى, والمصريون الذين يقرعون الأجراس منذرين الناس بما يسمى اللبننة أي الحوار بالرشاشات على طريقة الحرب الأهلية اللبنانية ينسون أن الصوملة ربما هي الأدق لتصوير الحال اذا تفاقمت الأزمة وركب الجميع رؤوسهم حتى الهاوية.
لم يتحرك المصريون أو غيرهم من الشعوب ضد استبداد شخص معين أو نظام محدد بالاسم، بل تحركوا ضد الاستبداد حتى لو تعددت أسماؤه المستعارة، لهذا فهم الآن يرون في ما يحدث نمطاً آخر من الاحتكار والاستفراد بالسلطة، والرئاسة تخشى اذا عدلت عن قرارها الأخير ان تفقد الهيبة أو هكذا يقول أنصارها في الشارع، فأية هيبة ستبقى لبلاد اذا تورط أهلها في نزاع دموي يكون الجميع فيه خاسرين؟
ما نشاهده في الفضائيات من برامج حوارية ملتهبة يذكرنا على الفور بابريق الزيت، فما من أحد يسمي أحداً، والناس سواء كانوا في بيوتهم أو عشوائياتهم يزدادون فقراً، ويموتون بالجملة لأسباب غير سياسية بقدر ما هي فنية وصناعية تتعلق بصدام القطارات وحوادث السير وكل ما انتهت صلاحيته من أدوات وأجهزة.
واذا استمر المصريون على هذه الوتيرة فانهم سيتولون نيابة عن الغزاة تفكيك بلدهم من الدستور الى المسمار وطبشورة المدرسة.. والأزمة في مصر لا تنتظر اجتراح معجزة، فهي قابلة للحل اذا توفرت النوايا، واذا برهن الرئيس الجديد ميدانياً أنه رئيس كل المصريين، وبرهنت الأطراف الأخرى أن مصر تأتي قبل الأجندات الخاصة والمصالح الصغرى.
ومن تعاملوا مع مصر سياحياً فقط وما أكثرهم في العالم العربي قد يستخفون بما يحدث الآن، وبهذا التصاعد المتسارع لوتيرة العنف، ففي ملعب لكرة القدم قتل خمسة وسبعون مصرياً، والكرة الآن من لهب وليست من جلد أو مطاط، والمباراة بالذخيرة الايديولوجية الحية.
فهل أصبح قدر العربي المعاصر والمعصور حتى آخر قطرة دم ونفط وعرق ودمع أن يعقد موعداً مع الشقاء المزمن في كل النظم والعصور وتحت مختلف الشعارات؟؟
( الدستور )