الفلسطينيون على موعد مع «نصر ثالث»

المصالحة الوطنية الفلسطينية التي بدت لبعض الوقت، مهمة مستحيلة، تتوفر اليوم على فرصة نادرة، حيث تبدو الأطراف بأمس الحاجة إليها، وبعد أن بات بمقدور كل فريق من فريقي الانقسام، الجلوس إلى مائدة الحوار، وفي يده «ورقة قوية»..حماس خرجت من «عمود السحاب» بانتصار ميداني وسياسي مؤثر...والرئيس محمود عباس عاد من نيويورك بنصر سياسي ودبلوماسي مؤثر أيضاً، وسيكون بمقدور الفريقين الجلوس كأنداد على مائدة واحدة، لرسم خريطة الطريق نحو المستقبل، وإنجاز «النصر الثالث» الذي يتوق الفلسطينيون لإنجازه بعد سنوات عجاف ست.
ما كان بمقدور أيٍ من الفريقين، تحقيق الإنجاز الذي حققه الفريق..لا الرئيس عباس بوارد المقاومة والسلاح والتسلح، وهو أعلن ذلك مراراً وتكراراً..وحماس ما كان بمقدورها حشد تأييد 138 للاعتراف بفلسطين «دولة غير عضو» في الأمم المتحدة...والمصلحة الوطنية تقتضي تكامل الأداور لا تصارعها واحترابها، وفي ظني أن ثمة مستوى من الوعي (والمصلحة) لدى الطرفين، يدفع بهذا الاتجاه.
ثم، أن الوسيط المصري، الذي اتسم دوره بالانحياز، تارة لفتح وأخرى لحماس، يعود اليوم لإبداء قدر من التوازن والاتزان في مقاربته لهذا الملف، ولقد كنت حريصاً شخصياً على تتبع موقف الرئاسة المصرية (الإخوانية) من هذا الملف، فاستمعت من مصادر مصرية مطلعة، ما يؤكد أن الرئاسة ستنتهج مقاربة أكثر توازناً في التعامل مع طرفي المصالحة، بعد أن باتت المصالحة واستعادة الوحدة، مصلحة مصرية عليا، لا تحتمل سياسات «المغالبة» أو الإنحياز لفريق دون آخر، في ضوء حاجة مصر لـ»التهدئة» للتفرغ للتعامل مع ملفاتها الداخلية الثقيلة.
«الفيتو» الإقليمي و الدولي المزدوج الذي أُشهر في وجه المصالحة، لم يرفع بعد..بيد أنه ما عاد بتلك الفاعلية والتاثير على فريقي الانقسام..لا إيران لها تلك «الدالة» على حماس كما كان عليه الحال من قبل..ولا الولايات المتحدة لديها مثل ذاك التأثير على عباس، بعد أن فشلت في ثنيه عن رأيه وقراره مرتين: الأولى، لمنعه من التوجه إلى طهران لحضور قمة عدم الانحياز..والثانية، لمنعه من التوجه إلى نيويورك طلباً للاعتراف...في كلتا الحالتين فشلت واشنطن ونجح عباس.
وفي مناخات الربيع العربي، سيبدو من الصعب جداً على المجتمع الإقليمي والدولي، أن يمنع على فلسطين ما سمح به لدول ومجتمعات عربية أخرى، من إتاحة الحق للشعوب في اختيار ممثيلها وقياداتها وحكامها..ومثلما سلّم الغرب والشرق بحق شعوب عربية في تغيير أنظمتها أو إصلاحها، عبر صناديق الاقتراع، فليس ثمة ما يمنع الشعب الفلسطيني من ممارسة الحق ذاته.
ومثلما علمنا هنا في القاهرة، فإن الرئيس المصري سيرعى جولة جديدة من جولات استئناف المحاور واستعادة المصالحة..والأرجح أن الفلسطينيين سيكونون على موعد في القاهرة خلال الأسبوع المقبل، لاستئناف ما انقطع من جهود المصالحة، بعد الدوحة والقاهرة، وبالاستناد إلى ما تحقق وليس بالانطلاق من نقطة الصفر.
والحقيقة أن تطورات ما بعد القاهرة والدوحة، تسمح بالتقدم خطوات إضافية على طريق تعزيز المصالحة وتكريس الوحدة الوطنية المستندة إلى برنامج سياسي ورؤية استراتيجية جديدة..برنامج يقوم على تكامل أشكال النضال والكفاح، بدل تنافرها..ويضع في صدارة أهدافه، إعادة بناء الحركة الوطنية وتفعيل منظمة التحرير وتجديد الروابط بين فلسطيني الوطن والشتات..برنامج يتيح لكل تيار فلسطيني أن يعبر عن رأيه ورؤيته تحت مظلة الوحدة والمصالحة الجامعة..تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
لقد عانت تجارب المصالحة الفلسطينية في السابق، من ضعف «قاعدتها السياسية البرنامجية»، ما جعلها ضرباً من «المحاصصة» وتقاسم السلطة، وتمس الحاجة اليوم، للشروع فوراُ في إطلاق «ورشة عمل وطنية» لبناء التوافق الوطني حول استراتيجية المرحلة المقبلة، وبرنامجها، من دون أن يكون ذلك عائقاً في وجه أية خطوات عملية على تواضعها، تدفع باتجاه خلق الأجواء المناسبة والثقة المتبادلة المُمهدة لاستعادة المصالحة وإنجاز وحدة الشعب والقضية والأرض والأداة والتمثيل.
( الدستور )