صراع الجمل والسيارة

مندوب صحيفتنا في العقبة، الزميل العزيز عمر الصمادي، نشر قبل أيام خبراً عن حادثة اصطدام بين جمل وسيارة على الطريق الصحراوي، وفي الخبر عبارة تدين "انفلات الجمال السائبة وعدم اكتراث أصحابها بأرواح الناس وممتلكاتهم". أتفهم تماماً زاوية نظر الزميل عمر، غير أني أود التذكير بزاوية نظر أخرى للمشهد نفسه: حدثني الأستاذ حسن سعود النابلسي، (وهو مزارع عريق ومواظب قبل وبعد أن يصبح كاتباً وباحثاً صاحب أفكار ذكية ورشيقة) أن والده أخبره أن رعاة الإبل في العقود الأولى من القرن العشرين عندما كانوا يخرجون للرعي، كانت جِمالهم تجتاز أحياناً حقول القمح والشعير مما يثير غضب صاحبها الفلاح الذي كان يخرج صائحاً براعي الإبل: "شيل جمالك من الزرع"، فيرد الراعي بلهجة حادة واثقة: "إنت شيل زرْعك مِنْ وجه البِلْ". لم يكن منطق راعي الإبل أقل شأناً من منطق الفلاح، سيما وأن ملكيات الأرض لم تكن محددة، وهو ما يعني أن كلا النمطين (الفلاحة والرعي) لهما الحق ذاته في استثمار الأرض. اليوم يستحق الصامدون مع قطعان أغنامهم أو إبلهم في البادية الأردنية الكثير من التحية على صمودهم في وجه تغول أنماط العمل الأخرى. فمنذ حوالي عشرين عاماً، صار ينظر الى الماشية بصفتها مجرد مصدر لحم، (وإلى الجمال بوصفها فولكلوراً)، وبما أننا نستطيع أن نحصل على لحم مستورد رخيص، فلماذا نتعب وننفق على الماشية؟ وبالنتيجة تدمر هذا القطاع. يعتقد زميلنا الذي كتب الخبر، أن هذه الجمال "سائبة"، ولكنها في الواقع جمال ذكية ترعى وحدها ثم تعود مساء الى أصحابها الذين لم تعد مرافقتهم لها مجدية .
( العرب اليوم )