حماس إذ تحتفل بالانتصار وبذكرى ربع قرن على تأسيسها

ما فعلته حماس في قطاع غزة بقيادة إسماعيل هنية احتفالا بزيارة خالد مشعل وعدد من أعضاء المكتب السياسي في الخارج يستحق التقدير، ليس لأن الرجل يستحق ذلك، بل لأن فيما جرى تعبير عن وحدة الحركة في الداخل والخارج، تلك التي أراد كثيرون العبث بها أو اللعب على وترها بروحية التفتيت.
الخلافات أمر طبيعي في كل التجمعات البشرية، لكن الحركات الكبيرة هي التي تتمرد على الخلافات وتحافظ على وحدتها ولحمتها في مواجهة عدوها، وفي إطار من السعي لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
لم تقدم حركة من قادتها شهداء كما فعلت حماس، وهو ما ينطبق أيضا على حركة فتح التي قدمت كوكبة كبيرة من قادتها شهداء على درب تحرير فلسطين. حماس قدمت الغالبية الساحقة من فريق التأسيس في الداخل شهداء (اغتيل من رجالها في الخارج أيضا)، والذي يتصدره الشيخ الرائع، والقائد التاريخي المتميز، الشيخ الشهيد أحمد ياسين، ومن بعده الرنتيسي وقبله وبعده القادة الكبار في القطاع والضفة الغربية، فضلا عن قادة الجهاز العسكري الذين تقاطروا واحدا تلو الآخر على ميدان الشهادة، وآخرهم الشهيد القائد أحمد الجعبري الذي صنع بدمه الزكي روعة الانتصار الأخير على العدو.
25 عاما من البطولة والعطاء، يحق لحماس أن تحتفل بها بحضور قادتها في الداخل والخارج، وبحضور معنوي لقادة الضفة الغربية الذين بذلوا أروع التضحيات ولا زالوا يبذلون في مواجهة العدو، وأحيانا في مواجهة عسف الأشقاء مع الأسف، إلى جانب حضور كافة الفصائل وفي مقدمتها حركة فتح.
يوم الجمعة كانت دموع خالد مشعل وفرحته وإخوته تستعيد تاريخا رائعا لحركة مباركة كانت رافعة للصحوة الإسلامية في كل العالم العربي والإسلامي، وكانت مهوى أفئدة جماهير الأمة من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا، وتحول رموزها وأبطالها الكبار إلى أيقونات في ضمير الأمة.
25 عاما من البطولة والعطاء، لكن الرحلة لا تزال طويلة، فهذا العدو لا يزال هنا، وتحرير قطاع غزة الجزئي، وصموده في مواجهة الاحتلال وإصراره على استمرار التسلح والإعداد ما هو إلا محطة في رحلة طويلة في مواجهة عدو لا يضاهيه أحد في المنطقة من حيث القوة والتسليح، ولا يضاهيه أحد في العالم من حيث القدرة على الحشد والحصول على تأييد القوى الكبرى وجمع المتناقضات.
فلسطين من بحرها لنهرها لا تزال محتلة، بما فيها القطاع الذي لا يزال مستباحا من البحر والجو، ورحلة التحرير لا تزال في بدايتها، ومن جاؤوا من الخارج ومن استقبلوهم في الداخل أكثرهم لاجئون مشردون. فإسماعيل هنية لاجئ و70 في المئة من أهالي القطاع لاجئون، وكذلك حال ثلث سكان الضفة الغربية التي لا تزال محتلة أيضا.
قضية فلسطين هي قضية أرض سلبت وشعب شرِّد، والشتات سيبقى عنوانا أساسيا من عناوين الصراع مهما عرض البعض التنازلات على العدو الذي لحسن الحظ لا يستجيب لأية تنازلات، لأن ما يريده لا يمكن أن يقبل به أي أحد.
في مشهد مهيب لم تعرفه غزة من قبل، احتفلت حماس يوم أمس بذكرى تأسيسها الـ 25 بعد انتصار كبير على المحتلين تمثل في “حجارة السجيل” في مواجهة “عامود السحاب”، لكنها تعيش في المقابل مأزق الوضع الذي تعيشه القضية برمتها ممثلا في حالة التيه التي أنتجها أوسلو، والذي أفرز بدوره سلطة صممت لخدمة الاحتلال ولم تتمرد عليه إلى الآن (حاولت ذلك في انتفاضة الأقصى ولم تنجح المحاولة لأسباب كثيرة).
تحتفل حماس بربع قرن على تأسيسها، بينما تلوح في الأفق ملامح مصالحة مع الأشقاء في حركة فتح، لكن أسئلة المصالحة لا زالت تطل برأسها دون أجوبة شافية، وفي المقدمة منها القاعدة التي ستتم على أساسها، وما إذا كانت ستعني عودة إلى متاهة التفاوض والتنافس والانقسام على سلطة تحت الاحتلال، أم ستتم على قاعدة المقاومة الشاملة من أجل التحرير بعد انتخاب قيادة لكل الفلسطينيين في الداخل والخارج عبر إعادة تشكيل منظمة التحرير.
ما يعنينا أن العدو في تراجع، ولم يعد أمامه غير التقهقر معركة إثر أخرى، وصولا إلى تفكيك هذا المشروع الصهيوني الغاصب، الأمر الذي تتعزز بشائره بربيع العرب الذي سيحرم الصهاينة من سياج الحماية الذي تمتعوا به طوال عقود.
مشهد الأمس في ساحة الكتيبة في قطاع غزة كان مهيبا ورائعا بامتياز، لاسيما في ظل حضور عدد كبير من رموز العالم العربي والإسلامي، الذين جاؤوا مؤكدين على أن قضية فلسطين ستبقى كما كانت دائما قضية الأمة المركزية، وستتعزز مركزيتها بعد نجاح ثورات العرب وربيعهم الرائع بإذن الله.
( الدستور )