الاستقرار أم النمو؟

لم تعد وظائف البنوك المركزية محل إجماع، بل أصبحت محل نقاش واختلاف في الاجتهاد، وخاصة فيما يتعلق باستهداف الاستقرار بمعنى معدل تضخم منخفض، والنمو الاقتصادي بمعدل بطالة منخفض.
الاعتقاد السائد أن بين هذين الهدفين علاقة تبادلية بحيث يختار البنك المركزي أولوياته، وهل هي للنمو وخفض البطالة ولو على حساب ارتفاع معدل التضخم ، أم هي الحفاظ على القوة الشرائية أي الاستقرار وخفض معدل التضخم ولو على حساب ارتفاع معدل البطالة؟ أما اجتماع التضخم الجامح والبطالة العالية فقد حدث فعلاً ولكن كوضع شاذ وغير قابل للاستمرار مدة طويلة.
مؤخراً بدأ بعض الاقتصاديين يشككون في وجود علاقة عكسية تبادلية بين التضخم والعمالة ، وهم يعتمدون في ذلك على تجارب عملية في مراحل مختلفة ، وبالنظر لانخفاض معدلات التضخم حول العالم في الوقت الحاضر ، وتراجع الخوف من ارتفاع التضخم ، فإن الرأي الغالب بدأ يميل إلى حفز النمو وخلق فرص العمل كأولوية للبنوك المركزية.
في قانون البنك المركزي الأردني تعداد واضح لمهمات البنك والوظائف التي عليه القيام بها ، والأهداف التي يجب أن يخدمها ، وليس من بينها النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل ، إلا إذا كان الاستقرار الذي يحتل رأس قائمة اهتمامات البنك المركزي يخدم النمو بشكل تلقائي ، وبالتالي يؤمن المناخ الملائم لخلق فرص العمل ، ولكن البنك المركزي يظل بشكل عام غير مسؤول عن ارتفاع معدل البطالة بقدر مسؤوليته عن ارتفاع معدل التضخم.
عندما يتعلق الأمر باستقرار سعر صرف الدينار فالمهمة جوهرية وحاسمة وقد قام بها البنك المركـزي بنجاح ، أما فيما يخص استقرار أسعار المستهلك ، أي تدني معدل التضخم ، فالمهمة ليست جوهـرية وإن كانت مرغوباً فيها ، خاصة وأن انفتاح الأردن على الاستيراد يعني أن معدل التضخم المحلي يعتمد على عوامل عديدة ليست تحت السيطرة مثل معدلات التضخم في البلدان التي نستورد منها ، وتقلبات أسعار عملات تلك الدول تجاه الدولار الذي يرتبط به الدينار الأردني.
تحت هذه الظروف ربما كان البنك المركزي مضطراً بعد الآن لإعطاء أولوية لتحفيز النمو والاستثمار وخلق فرص العمل ، وأن يترك التضخم ليتقرر تلقائياً في السوق الحرة طالما أنه لن يتجاوز 5%.
( الراي )