بعد 2400 يوماً في السلطة..حكومة المالكي..قضم للدولة وقمع للمتظاهرين ولا أحد يكبح جماح التفرد

المدينة نيوز - يكمل رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي في نيسان المقبل، عامه السابع في السلطة، فقد حصل على منصبه في نيسان2006 خارجا من كتلة عددها 12 نائبا ضمن ائتلاف الاحزاب الشيعية، وبوصفه مرشحا توافقيا لباقي قوى البرلمان، وأنفق خلال ولايتيه أضخم الموازنات المالية التي عرفتها البلاد عبر التاريخ دون إحداث فرق يذكر في مستوى حياة الفرد، كما تواجه سياساته معارضة شديدة من مختلف الأحزاب والنخب ومراكز القوى، التي تحذر من بوادر لظهور"الحاكم المطلق" في بلاد مزقتها الدكتاتورية طيلة عقود وورطتها في عداوات وحروب دامية مع معظم الدول الكبرى وأكثر من جار في الشرق الأوسط. وتبدو حصيلة سنواته السبع في السلطة، سعيا محموما للسيطرة على كل شيء، فبخلاف دولة التعددية السياسية التي تعترف بالفدرالية نظاما والتي اتفق عليها الجميع قبل سقوط صدام حسين، بدأ المالكي منذ عام 2009 يتحدث بشكل صريح عن نيته "تغيير قواعد اللعبة" متذمرا من التعدد والتنوع، ومعترضا على دور البرلمان التشريعي والرقابي، وراح يرفض في كل مناسبة تلك القيود التي فرضها الدستور على الحاكم لتقويمه وترشيد أدائه، وراح المالكي بكلمة واحدة يبشر بحكم "الرجل القوي" مستغلا تذمر الشعب من الفوضى والعنف والخراب. لكن الفترة بين 2010 حيث أجريت الانتخابات البرلمانية، و2012 وهي أول سنة يمضيها العراقيون خارج وصاية الجيش الأميركي، شهدت اندفاعا متسارعا من جانب رئيس مجلس الوزراء لبسط سيطرته على أجهزة الدولة الحيوية فيما وصفه شركاؤه بأنه "قضم سريع للدولة ومؤسساتها"يهدد بظهور الاستبداد. وقد شهدت البلاد لأول مرة تحركا شعبيا لافتا عرف بانتفاضة الكهرباء في صيف 2010 انطلق من البصرة وامتد في نحو 10 محافظات لاحقا، ثم تبعته مظاهرات شعبية عارمة نددت بالفشل الحكومي ابتداء من شباط 2011، ورغم ان المالكي شعر بالقلق من اتساع نطاقها واثارها، الا انه سارع لتقديم تنازلات سرعان ما نسيها، وتعامل ببطش وقسوة مع المحتجين واستغل الكثير من الظروف لتطويق الاحتجاج الذي يقول المراقبون ان من الممكن تجدده في اي لحظة. ويلفت كثير من المراقبين الى ان الرئيس محمد مرسي الذي يثور عليه المصريون بعد إمضائه بضعة شهور في السلطة فقط، انتهج سياسات تتشابه مع سياسات المالكي في كثير من جوانبها، فقد منح نفسه مهلة 100 يوم مرة و6 شهور مرة اخرى، على غرار ما فعل المالكي، كما انه وجه نعوتا وأوصافا معيبة الى خصومه والى أبناء شعبه الذين ينظمون الاحتجاجات، والى محاولته الغاء التعددية السياسية في البلاد وتكريس سلطة حزبه وفريقه ومنع القضاء والقوى الشرعية الاخرى، من تقييد صلاحياته. لكن المراقبين يذكرون ان شعب مصر ونخبتها ينتفضون في وجه مرسي رغم ان ممارساته لم تستمر اكثر من بضعة شهور، بينما يسود العراق عجز على مستوى النخبة والجمهور، وهو عجز عمره 2400 يوما! وتتلخص المؤاخذات التي تسجلها نخبة المجتمع المدني وباقي مراكز القوى السياسية والمالية والدينية في العراق، على سياسات المالكي بخطوات من قبيل:
l محاولة المالكي التأثير على مفوضية الانتخابات بالاعتراض على نتائج الاقتراع التشريعي عام 2010، حيث اصدر بيانات عن مكتب القائد العام الذي يرأسه، حذر فيه من "انزلاق البلاد الى الهاوية" بسبب نتائج الانتخابات، ما دفع المجتمع الدولي والامم المتحدة الى التدخل مرارا لحماية نتائج الاقتراع. والجميع يبدي مخاوفه حاليا بشأن طريقة تعاطي المالكي مع الانتخابات المقبلة في ظل تعاظم سلطته وتراجع النفوذ الاممي والدولي في العراق.
l توزيع شخصيات موالية له في الغالب على مئات المناصب التنفيذية المهمة في الدولة دون الرجوع الى البرلمان كما يقتضي الدستور، وقد برز ذلك كظاهرة جعلت اهم المناصب في الدولة تدار بالوكالة، كي يضمن عدم تدخل البرلمان في المصادقة على الشخصيات التي يرشحها لتسيير المرافق الحساسة. l إلحاق الهيئات المستقلة دستوريا بمكتبه منذ شتاء 2011، وتدبير إجراءات خارج القانون ادت عمليا الى استبعاد غير قانوني لشخصيات كفوءة مثل القاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة السابق، والخبير الدولي سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي، وعدم توفير حقوقهم القانونية للدفاع عن ادائهم، والمجيء بشخصيات موالية له تدير هذه المؤسسات الحساسة"بالوكالة ايضا".
l الابقاء على مجلس الوزراء دون نظام داخلي ما جعل كل الأطراف تبدي اعتراضات على كيفية صناعة القرار داخل تشكيلة الحكومة الائتلافية، ما عرض البلاد الى ازمات كثيرة في هذا الإطار.
l الاحتفاظ بسجون سرية خارج شرعية وزارة العدل او القوانين العراقية، شهدت انتهاكات واسعة وممنهجة لحقوق الانسان، وجرى الغاء بعضها بضغوط دولية كبيرة، في وقت تؤشر لجان برلمانية ومنظمات مدنية استمرار ظاهرة التعذيب ووصول الامر الى الاعتداء الجنسي على السجينات، وهو ما تطرق اليه المالكي في تصريحات اخيرة تضمنت تهديدا ووعيدا لكل من يحاول"تضخيم هذا الملف" على حد تعبيره.
l تجريد البرلمان من صلاحيات التشريع عبر استصدار قرار من المحكمة الاتحادية يمنع البرلمان من كتابة القوانين ويقصر دوره على التصويت حين ورود قانون مقترح من الحكومة.
l التستر على ملفات الفساد وتشكيل لجان تحقيق في عشرات القضايا التي ظلت محاطة بالغموض وجرى نسيانها لحماية المفسدين. وبدل ان يدلي رئيس الحكومة بمعلوماته الى الجهات المعنية، فقد تحول خلال الشهور الأخيرة الى خصم سياسي يلوح بكشف هذه الملفات لترويع شركائه ومطالبتهم بعدم معارضته. وليست صفقة الاسلحة الروسية الفاسدة سوى واحدة من حلقات هذا المسلسل الخطير المعطل للتنمية والبناء.
l انفاق نحو 500 مليار دولار دون النجاح في تطوير البنى التحتية او إنقاذ المدن العراقية من الغرق بمياه الامطار وأكوام القمامة، او معالجة ولو جزء من أزمة الطاقة الكهربائية.
l التلاعب بشكل غير علمي بملف البطاقة التموينية وإلغاؤها ثم التراجع على نحو متخبط ومرتبك عن هذا القرار، في وقت تذكر التقارير المحلية والدولية وجود مليوني عراقي يعانون من الجوع ونقص التغذية ويتركزون في بغداد ونينوى والبصرة التي تعد عاصمة الصناعة النفطية والمدينة البحرية الوحيدة في العالم التي تشرب ماء البحر دون تنقية.
l حجب الكثير من نفقات الحكومة عن البرلمان، وعدم اعداد الحسابات الختامية للانفاق الرسمي، وصرف نحو 50مليار دولار خارج قوانين الموازنة، وهي امور واجهت اعتراضات حتى من البنك الدولي وجهات اممية اخرى وجدتها مخلة بالشفافية والمعايير الحديثة في الادارة.
l اصدار حزمة قوانين وإرسالها للبرلمان تتضمن ما عدته النخبة والناشطون وقوى سياسية، اجراءات بوليسية تؤدي الى تكميم الأفواه والتحكم بما يقوله المواطنون أو يتبادلونه من معلومات على شبكة الانترنت، وتقيد التجمعات العامة وحق التظاهر.
l تنظيم حملات لم تتوقف للنيل من الحريات المدنية للجنسين، سواء في الجامعات او النوادي الاجتماعية ومحلات بيع الكحول التي تديرها الاقليات الدينية في الغالب، وهو ما ادى الى تدخل في طريقة حياة شريحة واسعة من العراقيين وبشكل غير مبرر قانونيا، وبدت بعض مظاهر هذا التدخل على شكل "اجتياح عسكري" قامت به افواج تابعة لمكتبه واعتدت بالضرب على مرتادي نوادي السينمائيين والصيادلة واتحاد الادباء ونوادي عريقة اخرى في بغداد، دون صدور أي توضيح او اعتذار من السلطة.
l استخدام القوة المفرطة وأساليب القمع في التعامل مع التظاهرات التي انطلقت من شمال البلاد الى جنوبها عامي 2010 و2011 واعتقال العشرات وإطلاق النار الذي اوقع نحو 20 من المحتجين، والاعتداء بالضرب على الطواقم الصحفية التي كانت تتولى تغطية الحدث.
l اتهام المتظاهرين بأنهم من "بقايا حزب البعث المندسين" وتشويه سمعتهم باستخدام وسائل اعلام الدولة، وتهديد الاحزاب التي تتحدث عن ضرورة كبح جماح التفرد بالقرارات، بـ"إجراءات غير مسبوقة" كما قال في مؤتمره الصحفي الأخير في بغداد، واعتبار كل من يعترض على أداء حكومته "معرقلا للدولة" أو "متآمرا مع قوى خارجية".
l تأسيس تشكيلات عسكرية وقيادات عمليات في المحافظات وصفها رئيس البرلمان بأنها تعادل اعلان حالة طوارئ وتتطلب إذنا من مجلس النواب، بينما لم تجر استشارة اي طرف في تشكيلها او تحريكها فيما بعد سعيا لحل خلاف سياسي حول المناطق المتنازع عليها، عبر اقحام الجيش، وهو امر عبر كل زعماء الأحزاب العراقية عن رفضه وحجم المخاطر التي تنطوي عليه وإمكانية أن يجر البلاد الى الاضرار بالسلم الاهلي بين مكوناته.
l القيام بتحركات امنية وحملات اعتقال ضخمة دون توضيح أسبابها، مثل اعتقال اكثر من ألفي شخص عام 2011معظمهم في تكريت بتهمة "تدبير محاولة انقلاب" ورغم مرور شهور على ذلك لم يكن هناك اي توضيح لنتائج التحقيق في هذا الملف، يبرر تعسف السلطات أو يستدعي اعترافها بالخطأ. " المدى العراقية "