الفكر الشبابي في خدمة الوطن
.jpg)
أقامت جمعية شباب الأردن ندوة مبتكرة في الجامعة الأردنية حول دور الفكر الشبابي في خدمة الوطن، وقد دعيت للمشاركة في هذه الندوة التي تعد من بواكير أنشطة هذه الجمعية التي قام على تأسيسها مجموعة من الشباب المتحمسين الذين يحبون وطنهم ويبادرون لتقديم الخدمة الفكرية للشباب وطلاب الجامعات وقد تعرفت إلى بعضهم ووجدتهم يحملون شهادة الدكتوراة وعلى درجة عالية من الوعي والفكر المستنير.
أشد بقوة على يد هؤلاء المبادرين؛ لأنّهم أقدموا على خوض غمار الاستثمار في الإنسان، كونه الطريق الصحيح في الخدمة الوطنية، والشباب يعد رأس مال الوطن، وثروة الأمة الحقيقية التي لا تعادلها ثروة، وكل الشعوب الحيّة تدرك هذا تماماً، إذ إنّ إتقان عملية تشغيل هذه الطاقة الحيوية الهائلة هو الإطار الفعلي لنهوض المجتمعات وتقدمها وتطورها.
لا يستطيع الشباب تقديم الخدمة الوطنية المطلوبة؛ إلا من خلال الفكر، ومن خلال القدرة على إشعال ثورة تغيير بيضاء، ثورة وعي وفكر وثقافة، تنطلق بعيداً عن خندق التعصب وقمقم التقليد الأعمى، نحو آفاق الطموح والإبداع والابتكار، وامتلاك أدواب البحث والتجربة، وامتلاك منهج التفكير العلمي، والذهنية المنفتحة، والعقل الناقد، ضمن حدود الأدب والالتزام بأخلاقيات الحوار وضمن مرجعية القيم النبيلة التي تمثل إجماع العقول وأصحاب الرأي وأهل الحكمة، وثمرة التجارب الإنسانية عبر التاريخ.
يجب على الجامعات والأساتذة فيها أن يقدموا منهجاً تعليميّاً مبتكراً لطلابهم، يقوم على منهجية التعليم الحواري، والابتعاد عن منهج التلقين الذي يحوّل الطلبة إلى صناديق إبداع، وبنوك لحفظ الأرصدة، ولذلك نحن بحاجة إلى منهج تعليمي يؤدي إلى صياغة العقل الناقد والذهنية الواسعة المستوعبة، وأن يسعوا إلى تمليك الطلبة المعايير التي تمكنهم من الحكم على الأشياء ومقايسة الأمور بطريقة علمية رصينة.
على الشباب أن يدركوا أنّ حب الوطن يتجلّى بإتقان التخصص، والتعمّق في العلم والدراسة، وامتلاك ناصية المعرفة التي تمكنهم من خدمة وطنهم وأمّتهم من خلال الإنجاز، وأن لا يكتفوا بالتعبير عن حب الوطن بالكلام والثرثرة، وتدبيج الخطب وإقامة المهرجانات، ونظم القصائد، والاهتمام بالملابس التراثية والأشكال المظهرية، والإكثار من حلقات الرقص والغناء.
على الشباب أن يدركوا أنّ الولاء والانتماء ليس بإجادة التزلف والنفاق والقدرة على مدح أصحاب المسؤولية، والتسوّل على أبواب أصحاب النفوذ، ويجب أن يدركوا أنّ الولاء والانتماء لا يكون باستخدام الوساطات واستعمال الرشاوي من أجل الحصول على الوظائف ومواقع المسؤولية، والإقدام على الغشّ والتدليس في العمل يناقض حبّ الوطن ويتنافى مع الولاء والانتماء الحقيقي للأمّة، كما لا يجوز اختصار الأوطان بأشخاص أو أحزاب أو جماعات، فالوطن أكبر من هؤلاء جميعاً، والمنطق البدهي يقول إنّ الوطن باقٍ والأشخاص والأحزاب والفئات إلى زوال، وهؤلاء كلهم في خدمة الوطن، وليس الوطن في خدمة أحد.
يجب رفع الوصاية عن الشباب، من خلال تقوية بنيتهم الفكرية، وتزويدهم بمهارات التمييز والتفريق بين الغثّ والسمين، وتزويدهم بعصارة تجربة السابقين بلا إكراه، أو تعصب أو انغلاق، ويجب مساعدتهم في الإفلات من مرض التعصب وداء التقليد وحب التبعية، وهذا بحاجة إلى جهد ومجاهدة ومعاناة وسهر، وصدق الله العظيم القائل:{والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا}.
الشباب بحاجة إلى اتقان فن التعامل مع الاختلاف، واستيعاب التعددية، وتقبّل الرأي المخالف، وإدراك أنّ الاختلاف سنّة في الخلق، لا تستطيع قوّة كونية إزالته من الوجود؛ بل لا بد من التكيف مع وجوده، والاستفادة منه بطريقة حكيمة لأنّ تقبّل الاختلاف طريق الإبداع والتجديد .
( العرب اليوم )