مشروع رجائي المعشر ما له وما عليه!

بخلاف بعض السياسيين الذين «تكسرت» صورتهم في الشارع، يحظى الدكتور رجائي المعشر باحترام واسع، حتى من طرف خصومه السياسيين، وعلى هذا الاساس بدأ يتردد منذ سنوات طويلة لبناء مدرسة فكرية وطنية لكن سرعان ما أدرك ان المناخات العامة اجهضت الفكرة، فتوقف المشروع على ما يبدو قليلا الى ان جاءت «موجة» الربيع الاردني وحراكاته، فتوجه على الفور لاستئناف مشروعه، ووضع أمامه مسارين اثنين: احدهما مسار «الاستثمار» في الحراكات الشبابية التي بدأت تتشكل في الاطراف، ومحاولة السعي الى «تأطيرها» واخراجها من تشتتها، وتجسير العلاقة بينها وبين الدولة، اما المسار الآخر فيتعلق بتشكيل تيار ثالث، مهمته بلورة الفكرة الوطنية من خلال طرح بديل سياسي واقتصادي مناهض لطروحات «الليبراليين الجدد» من جهة، وقادر من جهة ثانية على كسر ثنائية الدولة والاخوان، مع امكانية «استيعاب» المحسوبين على خط المعارضة السياسية بنسختها الوسطية والوطنية ايضاً.
نجح الدكتور رجائي في انتاج خطاب عقلاني متوازن يوازن بين مطالب الحراكات وتطلعاتها وبين مرتكزات الدولة وشرعية الحكم، وبدأ بقيادة سلسلة من «مبادرات» الحوار مع الناشطين من شباب الحراك، وحافظ على بقاء الابواب «مواربة» مع الاسلاميين رغم انه شعر مراراً «بالخيبة» من امكانية استقطابهم للمشاركة، لكن ما يؤخذ عليه انه ظل أسيراً لفكرة «اليسار الوطني»، ومع احترامنا للفكرة الا أن وزنها في الشارع ما زال متواضعاً، فهي تدور حول اشخاص محددين، وتتهم احياناً بالتعصب والاقصاء، ولم يتمكن دعاتها من تحويلها الى «مشروع جامع» ومع انني اعتقد بأن ذلك كله معاكس تماماً لما يفكر به صاحب الفكرة، الا ان استدراك الخطأ هنا يمكن، فنحن حقاً امام مشروع «ثالث» قابل للبناء والتطور، وكل ما يحتاجه ان يخرج من «الاطار» الضيق الذي وضع فيه، لكي يتسع ويستوعب «الاردنيين» مهما كانت اتجاهاتهم الدينية او السياسية (دعك هنا من الثنائيات الديمغرافية)، وان يؤسس لتيار «وطني» متصالح ومتسامح مع قيم الدولة والمجتمع، ومع تقاليدها الراسخة، وقادر – بالتالي – على بناء قاعدة شعبية مؤمنة «بالفطرة» ومستعدة للدفاع عنها.
امتحان فكرة الدكتور المعشر – الآن – يكمن في قدرته على «تأطير» الحراكات – او بعضها – في «اطار» جامع، سواء أكان حزباً او ائتلافا أو «جماعة وطنية» وفي اقناع «الدولة» على الاستثمار فيها، او «قبولها» كطرف على طاولة الحوار او المشاركة، وربما يكون قد سجل بعض «النجاحات» في هذا الطريق، خاصة بعد اللقاء الذي استضافه في منزله بحضور الملك وعدد من الناشطين في الحراك، لكن يبقى امامه ان يُخرج مشروعه من دوائر الاستعداء والاستقطاب التي وضعه البعض فيها، وان يحرره من وطأة «الثنائيات» التي من المفترض انه جاء اصلا لكي يكسرها.
باختصار، فكرة التأسيس «لتيار ثالث» اصبحت مطلوبة ومشروعة، لكنها ما تزال بحاجة الى نقاش اوسع، والى «جماعة» وطنية تقتنع بها وتحملها، ولكي يكتب لها النجاح لا بد ان تتصالح مع مكونات المجتمع الاردني ومرتكزاته، وان تتبنى اخلاقيات الخصومة السياسية، وان تمد يدها للجميع بلا قيود ولا استثناءات.
( الدستور )