دعوة لتصحيح علاقة الخطيب بالمصلين

تم نشره الجمعة 14 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 12:57 صباحاً
دعوة لتصحيح علاقة الخطيب بالمصلين
حسين الرواشدة

يتصور بعض اخواننا من خطباء المساجد ان جمهورهم من المصلين أمي بامتياز، وان وجهة نظرهم وحدها هي الصحيحة، وان الذين يستمعون اليهم - بإنصات وخشوع - مقتنعون تماماً بما يقولونه!. ولو كانت المسألة محصورة في الاجتهاد الشرعي وتوضيح احكام الدين وتبيين قيم الاسلام لغضضنا طرفنا وسلّمنا بما انتهوا اليه من اجتهادات ، لكن خطابهم من فوق المنابر يبدو سياسياً ، مما يفتح المجال امام كثير من اللغط وسوء الفهم والاستقواء على عقول الناس ، بل واختطاف وقتهم ومشاعرهم دون ان يتاح لهم الفرصة للرد او للاعتراض.. او حتى للتصحيح.

 

خذ مثلا ، احد الخطباء في خطبة الجمعة كان غاضباً جداً من اتباع احدى الحركات،وفي خطبة اخرى من اتباع احد المذاهب ، فلم يترك صفة سلبية الا وألصقها بهم ، ولم يتورع من تفسير آيات القرآن الكريم في اتجاه تعزيز رأيه ، وقد تصورت - وانا استمع اليه بخشوع طبعاً - ان امتنا ومجتمعاتنا لم يبق لها من الاعداء سوى اتباع الحركات و المذاهب الاخرى ، وان الخطر الوحيد الذي يهددها هو هذه التعددية التي انتهت اليها منذ قرون طويلة ، واستقرت على ضرورة احترامها مهما كان الاختلاف بين اتباعها ، لكن الخطيب - يرى غير ذلك ، ويتعمد - باصرار - اثارة مشاعر المستمعين اليه ضد اخوانهم من اتباع الاحزاب الاسلامية و المذاهب الاخرى ، ويسهب في كيل التهم اليهم ، ولا ينسى في آخر الخطبة ان يشير الى وحدة الامة ، وان يدعو على اعدائها الاخرين ، وكأن وحدة الامة تقوم بالتنابز والشتم ، او بإيغال صدور المؤمنين ضد بعضهم ، او بتحريم الاختلاف بينهم.

 

ثمة خطابات كثيرة يجيدها بعض الوعاظ من فوق المنابر تتعلق باستسهال التكفير ، والتحريم ، واسقاط الحدث السياسي بلباس ديني غير مقنع وغير سليم ، وثمة خطابات ارتجالية انشائية هدفها اثارة المشاعر ، ووسيلتها الوحيدة الصراخ ودب الصوت ، وثمة خطابات اخرى تغرد خارج اطار الدين ، وتستشهد بأحاديث غير صحيحة ، وروايات مجروحة ، والمشكلة في كل ذلك ان الاستماع - بخشوع كما قلنا - للخطيب فريضة لازمة لا يجوز الاخلال بها ، ولذلك يبدو كلامه مقدساً ، كما تبدو فرصته في الكلام والاسهاب والاستشهاد والدخول من الدين الى السياسة وتأنيب مستمعيه احياناً ، غير محدودة ولا مقيدة.. فهو يمارس فهمه للدين كما يراه ، ويجتهد في التحليل السياسي والاجتماعي دون علم ، ويعاقب آلاف الناس الذين جاءوا لتلبية نداء الجمعة - وبعضهم من كبار المتعلمين والمثقفين - بحجة انه يفهم في الدين اكثر منهم ، او انه مؤهل لتوعيتهم وانقاذهم من سوء فهمهم بمجرد ان يعتلي ظهر المنبر.

 

لا أريد - بالطبع - ان أعمم ، فثمة خطباء آخرون يتقنون مهمتهم ، ويعرفون كيف يخاطبون جمهورهم بتواضع وعلم وفهم سليم للدين ولمن يجلس امامهم ايضاً ، لكن المشكلة ان هؤلاء استثناء لا قاعدة ، وان ما يتركه خطيب واحد غير مؤهل من آثار على حالة التدين لدى الشباب ، وهي سلبية للاسف - يتجاوز جهود عشرات المصلحين والخطباء الجيدين.. وربما الآباء والتربويين ايضاً.

 

ادعو - بصراحة - الى تحرير خطاب المنابر من السياسة ، لا لانني اعتقد بان الدين لا سياسة فيه ، ولا لانني ضد ما يسمى” الاسلام السياسي” ولكن لانني على يقين بان مهمة منابر الخطابة اساساً هي اشاعة التدين الصحيح بين الناس ، ومعالجة الانحرافات الدينية ، ومناقشة القضايا العامة انطلاقاً من روح الفهم الصحيح للاسلام.. اما مجالات ومصادر التحليل السياسي ، والاختلاف بين الفرق والحركات والاحزاب والمذاهب الاسلامية ، واشهار البيانات السياسية وغيرها ، فهي كثيرة ومتعددة.. لكن المنابر ليست المكان المناسب لذلك.. والله اعلم! ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات