مرة أخرى عن «الإخوان» والخليج

تم نشره الجمعة 14 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 12:58 صباحاً
مرة أخرى عن «الإخوان» والخليج
عريب الرنتاوي

يحدثك الأصدقاء من دول الخليج العربية، عن “عودة الروح” لتنظيمات الإخوان المسلمين في تلك المنطقة..حتى في الدول التي ضربت عليهم حظراً ممتداً وقاسياً لسنوات..هم اليوم أكثر جرأة على البوح بانتماءاتهم وهوياتهم الحزبية وأهداف حركتهم السياسية والدعوية..ما عادوا يلجأون لـ”التقية” وما عادوا يستعينون بالكتمان لقضاء حاجاتهم..لقد استمدوا من رياح الربيع العربي “روحاً” جديدة..ومع وجود نظراء لهم في سدة الحكم في دول وازنة كمصر وتونس وليبيا (نسبيا)، ومع اتجاه دول أخرى نحو مصائر مماثلة (سوريا ربما)، يشعر “إخوان الخليج” بمزيد من الثقة بالنفس، ويجتاحهم السؤال: هل نحن الاستثناء الوحيد للقاعدة العربية؟!.

 

أول درس من دروس الربيع العربي تجلى في سقوط “نظرية الاستثناء”..لا أحد استثناء في هذه المنطقة، حاكماً وحكومة ونظاما..لا أحد محصن في وجه رياح التغيير التي تهب على معظم الوطن العربي، وإن بسرعات متباينة، وآثار جانبية متفاوتة...لكنها تهب، وتهب على الجميع، والخليج ليس استثناءً.

 

في بعض دوله (الكويت والبحرين) يحظى الإخوان بوجود رسمي أو شبه رسمي، لهم أسماء وجمعيات ورموز وكتل برلمانية..في دول أخرى (الإمارات) يُطارَدون كما طاردت الصين كمفوشيوس في زمن “الثورة الثقافية” لماو تسي تونغ...في السعودية، تزداد العلاقة التباساً وغموضاً يوماً بعد يوم، لكن وجهها الظاهر والغالب، هو العداء والمنافسة وانعدام الثقة.

 

في عُمان، ثمة حدود لما يمكن للإخوان أن يحظوا به من قوة ونفوذ، تمليها غلبة الأباظية على ما غيرها من مذاهب إسلامية في ذلك البلد...قطر التي تقوم بدور “الراعي الرسمي” وأحياناً “الناقل الرسمي” للإخوان في المنطقة، ليس لديها ما تخشاه، بوجود فائض من المال وندرة في السكان.

 

لكن دول الخليج الست، بعضها على الأقل، يبدو في أشد حالات الاضطراب في التعامل مع “ملف الإخوان”، حتى في الدول الأعلى صوتاً بنقد الإخوان وشيطنتهم وتجريمهم: الإمارات العربية المتحدة..فتلك الدول التي لا تخفي قلقها من “التنظيم الدولي” و”الطابع التآمري” لجماعة الإخوان، بل وتتحسب لليوم الذي تنقلب فيها الجماعة على حكام الخليج، طمعاً في السلطة والثروة...نراها تمهد الطريق لحكم الإخوان في دول عربية أخرى..وهناك على الأقل خمس دول خليجية، ضالعة بأعمال لن يترتب عليها سوى تمكين الإخوان وتعبيد طريقهم للحكم في دولهم..حتى الإمارات الأكثر قلقاً من الإخوان في “الداخل”، نراها الأكثر حماسة لدعم حركتهم في “الخارج”، بدلالة الموقف الإماراتي من الأزمة السورية.

 

سبب هذا الاضطراب و”التناقض” في سلوك هذه الدول حيال الإخوان يعود لتعدد مصادر “التهديد” التي ترى عدة دول خليجية، أنها تجابهها اليوم وفي المدى المنظور..فإذا كانت إيران هي “العدو الأول” و”المهدد الرئيس” لأمنها واستقرارها، فمن غير “الإخوان” و”السلفيين” يمكن أن يكون حليفاً أو “مشروع حليف” في مختلف ساحات المواجهة مع محور طهران و”هلالها؟!.

 

لكن تلك الدول، التي نظرت غالبيتها إلى “الربيع العربي” بوصفه تحديا ومصدر تهديد، تدرك في الوقت ذاته، أن “الإخوان”، هم قوة محركة رئيسة لرياح التغيير التي تضرب في معظم العواصم العربية..وأن نجاحهم في عدد من الدول العربية، سيشجعهم على زيادة نشاطهم في دول “التعاون” ذاتها...أي باختصار شديد، فإن من يمكن أن يعدّ حليفاً قوياً في مواجهة التهديدات الخارجية، هو ذاته الذي قد يصبح ذات يوم -ليس ببعيد- التهديد الأكبر داخلياً، لاسيما في ظل غياب أية بدائل وازنة ومنظمة لحركة الإخوان والسلفيين في معظم الدول والمجتمعات العربية.

 

وحقيقة أن دول الخليج ليست على موقف “رجل واحد” من الإخوان المسلمين، باتت بحد ذاتها عامل قلق ومصدر تحسب..وبعيداً عن “اللغة البرتوكولية” أو “الخشبية” المستخدمة في اجتماعات “التعاون” على مختلف المستويات، لا تخفي دول خليجية قلقها من بعضها البعض..فالسعودية وقطر تجمعها علاقة معقدة، فيها من التنافس والحذر، أكثر مما تتكشف عنه من تعاون وتكامل...والإمارات تخشى بلا شك، “الرعاية القطرية” للجماعة الإخوانية، تخشى من انتقال هذه الرعاية إلى إخوان الخليج أنفسهم بعد أن تكون “المهمة” قد أنجزت في عدد من دول العربية...أما البحرين فتبدو أقل خشية، طالما أن “الشيعة” هم مصدر التحسب وليس الحركات الإسلامية السنيّة بجناحيها الإخواني والسلفي، التي تقف غالباً إلى جانب النظام في مواجهته مع المعارضة الشيعية واليسارية والقومية.

 

وستجد دول الخليج نفسها قريباً أمام الأسئلة الصعبة، وربما بعد أن تضع الأزمة السورية أوزارها، ذلك أن قطار التغيير، سيبحث عن محطة أو محطات جديدة ليتوقف عندها..والأرجح أن سكته ستكون سالكة صوب عدد من المحطات الخليجية التي لم تفلح سطوة المال والإعلام والأمن بحجب ما يدور داخلها خلال السنتين الفائتتين، ومن ينتظر ير. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات