الأحزاب ملك للشعب

تم نشره الثلاثاء 18 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 12:06 صباحاً
الأحزاب ملك للشعب
د. رحيّل غرايبة

 

يعتقد كثير ممن ينخرط في العمل الحزبي على الساحة العربية، أن الأحزاب ملك لزعمائها أو أعضائها، بحيث تحولت عبر الزمن إلى دكاكين ومزارع خاصة لها أسرارها وغسيلها الذي يجب ألا يتعرض للنشر وضوء الشمس، وساد مصطلح خطير وخاطئ تحت عنوان "نشر الغسيل" حيث أصبح من المحرّمات، وأصبح ذلك نمطاً ثقافياً مقبولاً لدى أعضاء الحزب ولدى أفراد الشعب أيضاً.
أعتقد أن هذا الأمر من مخلفات ثقافة المرحلة السابقة، ومن ثمار مرحلة الاستبداد والفساد التي ابتلى بها العالم العربي لفترة طويلة وعقود متتالية حيث تم توارثها من جيل إلى جيل، وأصبح الناس يتعاملون معها وكأنها من المسلمات، واستسلموا لذلك الاعتقاد الخاطئ الذي يجعل من الحاكم والزعيم العربي مالكاً وحيداً للدولة والوطن، وأنها عبارة عن ميراث وتركة خاصة له، ليست خاضعة للمنافسة، والأشد غرابة أن هذا الشعور تسلل للأحزاب العربية بالطريقة نفسها، فالأحزاب أصبحت ملكاً وميراثاً لفئة محدودة، ولا يجوز لأحد الاطلاع على ما يجرى داخلها من أخطاء وفساد وحوارات فكرية واختلافات سياسية أو حتى شخصية.
من المفيد أن تخضع هذه الثقافة القديمة لحوارات معقمة ودراسات وافية ومراجعات شاملة، لأن الأحزاب في حقيقتها مؤسسات وطنية وهي جزء لا يتجزأ من الدولة، ومكون أصيل من مكونات المجتمع، فالأحزاب في الوضع السياسي الصحيح والبيئة السياسية السليمة مرشحة لاستلام السلطة، وتشكيل الحكومة وإدارة شؤون الدولة العامة، والإشراف على مواردها وتولي مسؤولية حفظها وصيانتها وتنميتها، فمن حق الشعب إذن وبكل تأكيد أن يكون على علم ودراية بشؤون الأحزاب الداخلية والخارجية، ومن حق الشعوب مناقشة ما يجرى داخلها، حتى يشعر بالأمان تجاه هؤلاء الأشخاص الذين دفع بهم الحزب إلى سدة الرئاسة وهرم السلطة، وهل هم أهل للمسؤولية؟ وأمناء على مقدرات الدولة؟ وهل هم بريئون من الفساد؟ واللعب على الحبال وإجادة فن التمثيل على معسكر المساكين!
بمعنى آخر أكثر دقة أن غسيل الأحزاب ليس ملكاً خاصاً وحصرياً لأعضائها وأن ما يجرى داخلها من أخطاء ليس أسراراً تملكها القيادة يجب أن تبقى طي الكتمان ولا يجوز للشعب أن يطلع عليها! لأن الأحزاب مؤسسات عامة، والشخصيات الحزبية شخصيات عامة، تتعامل بالشأن العام، وتطرح نفسها لإدارة الدولة والإشراف على مال الشعب العام، وتحمل لواء الإصلاح ومعالجة الفساد ومواجهة الفاسدين الذين تسللوا للمواقع العامة ولم يحسنوا أداء الأمانة.
وكما يريد الشعب أن يعرف ما يجرى داخل مؤسسات الدولة، ويريد الاطلاع على قضايا الفساد وكشف الأخطاء الإدارية في الحكومات والوزارات المختلفة كونها شأناً عاماً، فكذلك الأحزاب تماماً، حتى يستطيع المقارنة بين البدائل، والتمكن من اختيار البديل المناسب.
نحن الآن بصدد مرحلة إصلاحيّة جديدة، تسير الشعوب العربية خلالها نحو تشكيل حكومات حزبية وبرلمانية، مما يقتضي أن تخضع هذه الأحزاب إلى معايير النزاهة والشفافية ومقاييس الجودة العالمية التي توصلت إليها البشرية، وينبغي أن يخضع زعماء الأحزاب وأعضاؤها الفاعلون إلى المساءلة العامة والرقابة الشعبية تماماً كما يخضع رؤساء الحكومات وأعضاء الفريق الوزاري.
وبناءً على ما سبق يجب على الأحزاب أن تبتعد عن مقتضيات مرحلة السريّة والأحكام العرفية، وأن تتكيف مع مقتضيات مرحلة الانفتاح والعلنية والشفافية والوضوح، وبناء أسس جديدة للتعامل مع المجتمع والدولة تقوم على المشاركة الحقيقة والمصارحة الجادة التي تبني جسور الثقة والتفاهم الضرورية، و تجعل قطاعات الشعب ونخبه السياسية والمثقفة تشعر بالأمن تجاه هذه الأحزاب، ولا تتوجس من مجيء أحد رجالاتها للسلطة وإدارة الشأن العام، فالذي تحوم حوله شبهات الفساد داخل حزبه، أو جاء بطرق ملتوية أو عبر المال السياسي، ليس مؤهلاً للمشاركة في إدارة الدولة وشؤونها العامة بكل تأكيد، ولا يجوز ترشيحه لمواجهة الفساد ومحاربة المال السياسي داخل المجتمع.
أعتقد أن هذا من مقتضيات الأمانة، ومن مقتضيات الفقه الشرعي الصحيح، ولا يخضع للمنطق الحزبي المريض ومصطلح نشر الغسيل الطارئ على مقتضيات الشأن العام، والتصدي للمسؤولية العامة وتحمل الأمانة.

( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات