بيروسترويكا مضادة !!

تم نشره الثلاثاء 18 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 12:12 صباحاً
بيروسترويكا مضادة !!
خيري منصور

 

شهدت أياماً من تلك البيروستيرويكا التي اراد غورباتشوف من خلالها اعادة بناء روسيا، وكم كان مثيراً مشهد الطابور من الاوروبيين والامريكيين أمام المحلات التي تبيع الكافيار والتحف الروسية. فكل كائن يبحث عما ينقصه أو يظن بأنه محروم منه، وكما حدث في مصر أيام الانفتاح الساداتي حدث في روسيا حين سادت ثقافة اليانصيب، التي تزدهر عندما يشتد الفقر، ويصبح كل فرد حالماً بأن يصبح مليونيراً خلال اسابيع.

في الحالتين تفاقم الفقر وتراجعت ثقافة اليانصيب، وسخر الروس من البيروسترويكا التي تعني بلغتهم اعادة البناء وسموها اعادة الهدم والتفكيك، وكان العرب في تلك الايام يحلمون ببيروسترويكا عربية على طريقتهم، لكنها تأخرت عن موعدها، فجاءتهم بيروسترويكا اخرى طورت وحدثت وضاعفت من معاهدة سايكس - بيكو، فالسودان اثنان وقد يصبح أربعة، وثمة تضاريس وخرائط سياسية وطائفية جديدة لعالمنا العربي ترسم الآن بالقلم الرصاص وغداً سوف ترسم بالفحم والدم، حيث لا ينفع الحداد ولا يجدي الندم.

وهناك عمليات جراحية من نوع عجيب تجري للافراد والمجتمعات معاً، تلك هي التي يخرج الطبيب فيها من غرفة العمليات ليهنىء الذين يترقبون بنجاح العملية، ثم يعزيهم بوفاة المريض. نعم هناك عمليات تنجح ويموت المرضى، لأن الخطأ لم يكن فقط بالتشخيص بل بعدم الادراك بما يسمى حالات الدمج الدماغي أو الاختلاطات التي تعقب العملية وأحياناً تحدث خلالها عندما يكون المريض مغيباً تحت جرعة عالية من البنج.

حلم الروس في بواكير البيروسترويكا بالجينز والسفر والسجائر الامريكية، وبالورقة الخضراء المستطيلة الساحرة، ثم بدأ تدفقهم الى سائر القارات بدءاً من الرقيق الابيض حتى المانيا وها هي موسكو تحاول منذ دخل بوتين الى الكرملين استعادة المفقود من هيبتها الدولية ومن صورتها في الحرب الباردة.

ان الفارق بين اعادة البناء واعادة الهدم يضيع أحياناً على العين الكليلة أو التي تعاني من القذى والصديد، رغم ان هذا الفارق لا يحتاج الى زرقاء اليمامة للتأكد منه، فأسهل شيء هو الهدم وأصعب شيء هو البناء سواء كان للبشر أو الحجر.

ونحن العرب ترجمنا «سكرو درايفر» الانجليزية الى «مفك» وكان مهنة هذه الاداة هي التفكيك فقط وليس التركيب، ولم أسمع أحداً ذات يوم يسمي هذه الأداة الا بالمفك، لأن من يستهلك ولا ينتج لا علاقة له بالتركيب، وهكذا انقلبت الآية, واصبح المثل الذي تعلمناه في طفولتنا وهو من جدَّ وجد (من هد وجد)!

ما يحدث الآن عربياً هو المبارزة بالمعاول للهدم، أما البناء فأمره بيد من يملك الامتياز وهو ليس من الحديد أو الاسمنت بقدر ما هو استراتيجية تأسست على مفهوم التفريق من أجل السيادة وانتهت الى التفكيك من أجل المزيد منه وهو التذرر!

نحن جميعاً أو معظمنا على الاقل حلمنا بالتغيير وأقضّ مضاجعنا كابوس الطغيان والاحتكار السياسي، لكن كيف وبأية معجزة تحول الحلم مرة اخرى الى كابوس فتلك واحدة من ألغاز بلادنا!!

( الدستور )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات