ماذا بعد الربيع العربي ؟؟!!
قيل الشيء الكثير عن دوافع ومسببات جمة انتجت ما يسمى "بالربيع العربي" واختلفت الرؤى والتشخيصات التي افرزت تلك الاسباب ، فردها البعض إلى جرأة الناس للوقوف بوجه حكامهم ، وتلاشي شعور الخوف من صدورهم ، وتفشي بل واعتناق ثقافة التعددية والمواطنة التي رأوا انها المنقذ الاعظم ، وأيد بعض المحللين السياسيين دوافع لعبة الايادي الخارجية ،وبخاصة الامريكية التي ما فتأت اصابعها تتحرك في الظلام ، وتحيك الدسائس والمؤامرات في كل الاتجاهات ؛ لاجل حماية مشاريعها الاستراتيجية الامنية والسياسية، ومصالحها الاقتصادية في المنطقة، والتخلص ممن يقفون في وجهها.اذ هناك دراسة فرنسية تقول ان امريكا والانظمة الملكية الخليجية وبلدان اوروبية لعبت دورا اساسيا في اندلاع الثورات العربية فاستغلت عدم رضى المجتمع، وادارت "الثورات" المحركة من الخارج من اجل المصالح الذاتية ، واستخدمت تكنولوجيا زعزعة الاستقرار ذات النتائج السيئة.
وهناك من نظر إلى المسببات والدوافع نظرة اجتماعية خالصة ،وردها إلى قدرة الشعوب العربية واقتدارها، بهمة شبابها، على التغيير واسقاط الانظمة القمعية الفاسدة ؛طلبا للحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية .
واعتبر بعض المفكرين ان طول المعاناة وقسوتها من الفقر والقهر والحرمان ، وانتشارالفساد وتجذره، وازدياد ثروات الحكام واقاربهم ومواليهم ، وازدياد فقر الفقراء وانتشار الجوع والمرض هي الدوافع لذلك.
وعزت بعض الدراسات العلمية اسباب الظاهرة وشخصتها بالتنبؤ بقدوم منعطف سياسي جديد، آت لا محالة ، يجتاح المنطقة عما قريب، تقف وراءه اسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية داخلية وخارجية ، تتفاعل مجتمعة ، ويؤثر بعضها في البعض الاخر.
وحمل بعضهم عامل الدين وزر القضية وارجاسها ،فزعموا ان الدين هو الذي اجج ما في الصدور، اذ كان له الدور الاكبر في تضخيم وتحريك هذه المسببات والتداعيات ، وبخاصة فان المنطقة يتجذر فيها صراع طويل بين الحق والباطل في فلسطين.
وعزت بعض الدراسات اسباب الربيع العربي وقيام الثورات والانتفاضات الشعبية إلى غياب الديموقراطية، وغياب تبادل السلطة واستئثار الحكام بها، وعتوهم عتوا كبيرا لمدد طويلة، وبقاؤهم على سدة الحكم دون تحديد فترة زمنية للرئاسة، والتفرد بالحكم، وظلمهم وقهرهم وقمعهم واضطهادهم لشعوبهم، وتعمق حالات الفقر والجوع ،وازدياد نسب البطالة والركود الاقتصادي ، واستشراء الفساد المالي والاداري والقضائي والمحسوبية في هذه الانظمة. وزيادة مديونيتها، وغياب تطبيق القوانين على الجميع بسواء ،وعدم اعطاء الشعوب حقوقها التي كفلتها لها القوانين والتشاريع ، وعمالة الحكام وتبعيتهم للغرب ، ورغبة بعض الاحزاب والقيادات في الوصول إلى السلطة، وتدخل عناصرخارجية ساعية إلى نشر الاضطرابات والفوضى.
ومما لاشك فيه، فان حصيلة تداخل وتفاعل هذه الاسباب والعوامل الداخلية والخارجية مجتمعة ، شكلت اساسا لذلك الربيع ، ولا يستهان بما تعمله ايادي خبيثة ومأجورة في الخفاء لحماية المصالح الاجنبية ،وتحريك وتشجيع احداث التغيير.
ومهما تكن الاسباب والمسببات والدوافع، ومهما تكن الاسماء والمسميات، فماذا بعد ذلك ؟ ماذا بعد هذا الصخب واحتدام الصراعات والحراكات ؟ماذا بعد القتل والتعذيب والتخريب والتدمير؟ ماذا بعد هذا الربيع العربي المزعوم؟
فهل تنال الشعوب حقوقها ؟ وهل زال الطغاة الجبابرة العتاة ؟ ام ما زالوا يعملون في الخفاء وراء الاقنعة لزعزعة الاستقرار المضطرب ؟ وهل يمكن لهذه الشعوب ان تتولى امورها بنفسها ، وتستقل بقرارها وتنأى عن التبعية ؟ وتقضي على الفساد والمفسدين ؟ وهل يتحقق الامن والامان ؟ وتزدهر الاوطان الطيبة بالرخاء والاطمئنان والهدوء والراحة؟ وهل يمكن ان تسود قيم الحرية والتعاون والتكافل والعدالة الاجتماعية والتواصل في مجتمعاتنا العربية ؟ وهل تدفن الاحقاد والبغضاء والرياء والامراض التي في الصدور؟ وهل تعود فينا قيم العزة والنخوة والكبرياء والاخاء والمحبة ؟ وهل تسود مبادىء وقيم الديموقراطية الحقة ؟ والمشاركة في تسيير دفة المجتمعات ؟ وتتأصل فينا ثقافة الرفق والتحاور كافضل السبل للوصول إلى بر الامان ؟ وهل تسفر هذه المخاضات وهذا الصخب العارم والحراكات الملتهبة واحتدام الصراعات عن ولادة قيصرية لديموقراطية الثبات والاستقرار مثلما حدث في كل التجارب الديموقراطية المستقرة والمزدهرة في العالم؟ وهل تسفر هذه التداعيات والتحديات وحالة المخاض التي يعيشها عالمنا العربي عن ولادة استراتيجية الامن والامان الوطني الذي يشمل عناصر الامن بكاملها، والتي تتضمن الامن السياسي والامن الاقتصادي والاجتماعي والفكري والعسكري وغيرها من تقنيات الاستقرار التي يجب ان تساهم في ارسائها وحمايتها جميع القوى الوطنية الشريفة؟!
ان الديموقراطية التي نريد هي مبادىء تتمثل في الحرية والمساواة ،وهي قيم التسامح والحوار والتنوع والتعددية، وتتمثل الديموقراطية التي نريد في آليات راسخة، من بينها نظام انتخابي سليم ،يضمن للفرد المشاركة في صنع القرار ومراقبته والتصويت عليه ،واعتماد قرار الاغلبية ،وحماية مصالح الاقلية والتعددية السياسية ، والديموقراطية التي نريد هي ضمانات دستورية تقر مبدأ سيادة الامة كونها مصدر السلطات جميعها، وصاحبة الولاية على نفسها، وانفصال الدولة عن اشخاص الحاكمين ،وضمان حقوق الانسان والعدالة ،وتكافؤ الفرص وسيادة القانون، والمساواة امامه وانصافه وعدله ، وضمانه للتوازن بين المصالح المتعارضة، وامتثال السلطة للقانون ،ومسؤوليتها امام ممثلي الامة ومساءلتها والرقابة عليها ، وفصل السلطات مع تعاونها وان تراعي قضايا حقوق الانسان .
وفي مجال الامن ، لا بد من ان يؤخذ بالحسبان بان الامن السياسي يعني تطبيق الديموقراطية وتطبيعها ؛بحيث يؤخذ في تطبيقها مبدأ التدرج في تنفيذ مراحلها، كما يجب ان يكون فهم الديموقراطية هو الاساس للشعب ؛حتى يمكن للدولة ان تتحكم في التطورات السياسية .فالديموقراطية هي نظام حياة ،يجب ان يدرس ويثقف في جميع مجالات الحياة الاسرية والمدرسية والجامعية والاعلامية، وكل مناحي الحياة ،فكثير من الدول تجاهلت هذا المبدأ وتحولت ديموقراطيتها إلى معناها الغربي مرة واحدة فانتهت وتلاشت.
وفي مجال الامن الاقتصادي، يتأتى توفير تشريعات موحدة ضمن اطار معين في المجال الاقتصادي وتطويره للحفاظ على الحقوق والمكتسبات، وتحفيز القطاع الاقتصادي الخاص بمنحه المزيد من الحوافز المادية والمعنوية؛ لتشغيل المواطنين والتقليل من البطالة الوطنية
وفي المجال الاجتماعي، يتأتى العمل على تنمية المجتمع الاردني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا؛ لارساء وترسيخ القيم الاجتماعية والدينية عن طريق الاعلام الموجه والمدروس، والعمل على صياغة سياسة مجتمعية اردنية واحدة تجاه العنف والفوضى؛ للحد منها وافشال خططها، وتنمية الارادة والمعنوية في مجتمعنا من خلال الديموقراطية ؛حتى يصبح المواطن الاردني مواطنا مشاركا للدولة ،وليس عبئا عليها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتما عية.