قوائــم وطنيــة!!

يعتبر قانون الانتخاب على أساس القائمة الوطنية من أرقى القوانين الانتخابية على مستوى العالم، وهو يبدو الأكثر عدالة في الصيغ الديمقراطية حين تتوفر حياة حزبية جيدة تقوم على أساس النظر إلى مصلحة مجموع الوطن، وهذا ما توصلت إليه العديد من الدول، ومن أسف أن الكيان الصهيوني كان السباق إلى تبني هذا القانون بالكامل، حيث يمنح الناخب صوته لقائمة معينة على أساس برنامج سياسي تطرحه، من دون أن يخلوا التصويت من عناصر مصلحية على سائر المستويات (شخصية، عرقية، دينية أو سياسية)، لكنها تعبر عن هواجس الناخب من دون شك.
قبل ذلك تكون القوائم قد اختارت عبر انتخابات داخلية ترتيب المرشحين فيها، وليدخل عدد منهم البرلمان بالترتيب بحسب ما حصلت عليه القائمة من أصوات، مع ضرورة أن تجتاز القائمة نسبة حسم معينة تتفاوت بين دولة وأخرى (أعلاها في تركيا 10 في المئة، وأدناها في الكيان الصهيوني 1.5 في المئة).
طبعا هناك كثير من الدول التي تخلط بين نظام القائمة وبين نظام الدوائر، حيث يمكن للناخب أن يصوت لقائمة انتخابية ومن ثم يصوّت لنائب من دائرته، كما حصل في مصر وفي عدد من الدول الأخرى.
هنا في الأردن جرى اعتماد نظام القائمة للإيحاء بالخروج من أسر نظام الصوت الواحد المجزوء الذي ترفضه المعارضة، حيث يحصل الناخب على صوتين؛ صوت يدلي به لمرشح في دائرته، وآخر يمنح لقائمة معينة.
نتذكر هنا أن نظام الصوت الواحد المجزوء قد صيغ في العام 93 لمحاصرة المعارضة، وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي، وكان خطأ الجبهة والإخوان التاريخي هو المشاركة رغم ذلك، ولسوء الحظ جرى تمرير معاهدة وادي عربة في البرلمان الذي شاركوا فيه، وإن صوّتوا هم ضدها (عادوا وقاطعوا انتخابات 97 على أمل تغيير القانون، وهو ما لم يحدث).
اليوم، ورغم نوايا التعديل عبر قائمة وطنية لم تحصل سوى على 27 مقعدا، أي 14 في المئة من مقاعد برلمان يبلغ عدد نوابه 150، وهو رقم يُعد كبيرا في بلد بحجم الأردن من حيث عدد السكان، إلا أن صياغة قانون القائمة الوطنية قد دخل ضمن ذات الإطار المتعلق بهاجس محاصرة جبهة العمل الإسلامي والإخوان.
لقد اعتقد من صاغوا الفكرة أن حصر فكرة القائمة الوطنية في القوائم الحزبية سيعني أن قائمة حزب جبهة العمل الإسلامي ستحصد الكم الأكبر من مقاعد القائمة؛ فجعلوا من حق أي أحد أن يشكل قائمة بصرف النظر عما إذا كان حزبا أم لا، ما يعني زحاما شديدا في القوائم وتشتيتا في الأصوات لا يسمح بحصول قائمة كبيرة على نسبة واسعة منها، لأن القائمة في هذه الحالة ستعتمد أيضا على النظام العشائري الذي كرسه الصوت الواحد المجزوء.
حصل ما أراده المعنيون، فقد شكلت 61 قائمة وطنية، ليس لأكثرها من اسمها نصيب، ومن يستمع إلى الكيفية التي شكلت من خلالها بعض القوائم سيضحك ملء شدقيه، لاسيما أن كثيرا منها قد صمم من أجل شخص واحد، أو شخصين أو ثلاثة في أحسن الأحوال، لأن نائب قائمة وطنية صار حلما بالنسبة لكثيرين نظرا لوزنه الاعتباري.
والحال أن مقعد القائمة الوطنية في ظل القانون لم يعد يختلف كثيرا عن المقعد الفردي، ومن كانوا يصوتون للشخص الأول، وربما الثاني والثالث في بعض الأحيان في المقاعد الفردية، سيصوتون لقائمتهم هنا، لاسيما أن الحزب الأكبر الذي يحظى بثقة قطاع لا بأس به من الناس مقاطع أيضا، مع أن الأرجح أن مشاركته لم تكن لتمنحه نسبة كبيرة، وإن حصل على المركز الأول بكل تأكيد.
لو كان المعنيون يريدون تقدم العمل الحزبي وصولا إلى برلمان يعبر عن سائر الناس لكان مسارهم مختلفا إلى حد كبير، لكنهم لا يريدون ذلك، وهدفهم هو الإبقاء على برلمان محدود الصلة بالسياسات الكبرى، بينما ينشغل نوابه بتحصيل الخدمات لناخبيهم، وربما تأمين مصالح لأشخاصهم.
والخلاصة أن البرلمان الجديد، وكما أكدنا مرارا لن يختلف عن سابقه بأي حال، وكل محاولات النفخ في هذه الكتلة أو تلك، لاسيما اليسار والقوميين لن تجدي نفعا، اللهم إلا إذا جرى منحهم ما لا يستحقون بطرق غير مشروعة، وهو ما لا يبدو متوقعا إلى حد كبير لاعتبارات إخراج انتخابات نزيهة تنسي الناس تجربتي التزوير السابقتين.
( الدستور )