« فلا أقسم بمواقع النجوم »
نقلت وسائل الاعلام خبراً مثيراً يتعلق بالاكتشافات الكونية، يفيد بأنه يُجرى بناء تلسكوب عملاق في الصحراء الاسترالية بهدف اكتشاف ما يقارب (700,000) مجرّة كونية جديدة في بحر العام الجديد "2013"، فهذا الخبر الذي يقدره العلماء والمختصون في الفيزياء وعلوم الفلك والفضاء بطريقة أفضل وأدق، يفيد بإضافة رقم جديد يصل إلى سبع مئة ألف مجرة، فكم إذا عدد المجرات الموجودة، وكم عدد المجرات التي لم يتم اكتشافها بعد، وإذا كانت المجرة الواحدة تتشكل من عدد هائل من المجموعات الشمسية ومن الكواكب والنجوم، فعلى الانسان ان يتخيل هذا العدد الذي لا يحصر من الأجسام الكونية السابحة في الفضاء، وله أن يتخيل المسافات بين النجوم و الكواكب والمجرات التي تقاس بالسنوات الضوئية، وما زال هناك مجرات ونجوم لم يصلنا ضوؤها بعد، الذي يسير نحونا منذ خلق الله الكون بسرعة (300,000) كم في الثانية!!
الأرض التي نعيش عليها عبارة عن رأس دبوس أزرق صغير يهيم في هذا الكون الفسيح، الذي يصعب على العقل البشري استيعاب وتخيل هذه المساحة الواسعة الفسيحة الممتدة المستمرة في التوسع والامتداد، فكم يا ترى نسبة المقارنة بين حجم الأرض وحجم الكون؟! " إنا خلقنا السماء بأيدٍ، وإنا لموسعون".
ومع ذلك فإن هذه النقطة الزرقاء الهائمة مليئة بالصراع المحتدم بين الكائنات البشرية التي تسكنها، والتي تحمل قلوباً مليئة بالحقد والضغينة والكيد والمكر الذي تكاد تزول منه الجبال، ويملكون أبصاراً لا ترنو أبعد من أرنبة أنوفهم، فيضيق بهم الكون الفسيح وتضيق به أنفسهم، ولو أنهم تفكروا قليلاً في الكون من حولهم، وأجالوا أبصارهم في السماء، وأعملوا أذهانهم في هذا الاعجاز المذهل ووقفوا على قول الله تعالى: "فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم"، لاستشعروا عظمة الخالق ولاستصغروا أنفسهم واستشعروا عجزهم، ولقل منسوب الكبر في نفوسهم، ولتواضعوا قليلاً، وأسلموا قيادهم لخالق السماوات والأرض وامتثلوا قوله: "ولا تمش في الأرض مرحاً، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً"، ما يجعلهم يقدمون على خفض جناحهم لإخوانهم من بني البشر ويقدمون على التذلل لرب العزة.
نحن بحاجة ماسة بين الفينة والأخرى إلى الانعتاق من أوهاق الدنيا وأعباء الحياة، والتفسح قليلاً في آفاق الأرض، والولوج إلى أعماق الصحراء، بعيداً عن أضواء المدينة وضجيجها، وإطلاق الأبصار والعقول نحو السماء ومجراتها وأبراجها ونجومها وكواكبها، وتلمس مواقعنا في هذا الكون الفسيح وتقدير أحجامنا حق قدرها.
نحن بأشد الحاجة إلى إعادة تموضع للذات، ومراجعة مستمرة، ووقفة نظر وتدبر، من أجل تصحيح المسار وإعادة توجيه البوصلة، في اتجاه الانسجام مع الكون، والخضوع لنواميسه الصارمة وقوانينه الواضحة، ومن أجل مواصلة الرحلة في البحث عن الذات، والتوقف عن العبث ووضع حد للتيه والتخبط المضني.
"ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشة ضنكا".
( العرب اليوم )