الانتخابات : سؤال اليوم التالي

هل صحيح أن سلامة المسار السياسي في بلادنا تتوقف على “عتبة” الانتخابات؟ ربما، لكن بعيداً عن تشخيص اللحظة الراهنة كمواجهة بين “قوى إصلاحية وديمقراطية” و”قوى انعزالية”، وبعيداً ايضا عن مقولات “الدفع” بالمجتمع نحو مزيد من الانقسام والإرباك، يمكن ان نرصد اتجاهين: احدهما يمثله “المطبخ السياسي” الذي يعتقد أن “الانتخابات” نقطة فاضلة بين مرحلتين: واحدة كان بطلها “الشارع” بحراكاته ومطالبه وقواه التي احتشدت حول وصفة اصلاح لم تتحقق، ومرحلة اخرى “ميدانها” البرلمان، وفيه يمكن ان تتبلور الخطة “أ” للاصلاح، وينتهي “الربيع الأردني” بمشاركة من حضر، ويصبح “البرلمان” والحكومة التي ستنبثق منه مصدراً وحيداً لشرعية “المطالب والحلول”.
أما الاتجاه الآخر فيعتقد أن “الانتخابات” لن تفضي الى حل الأزمة، وبالتالي فإنها يمكن ان تكون محطة “للاعتراف” بعمق المشكلة، ونافذة للتفكير بالخطة “ب” التي طرحها دعاة “المقاطعة” بما تتضمنه من مطالب محددة، وبما تشكله من أرضية “لتوافق” وطني يضع المسار السياسي على سكته الصحيحة.
قبل الثالث والعشرين من الشهر الحالي، وهو موعد إجراء الانتخابات، لا يمكن لأحد ان يحدد بدقة الى اين يمكن ان تتجه “بوصلتنا” السياسية، فثمة “اربعة” عوامل موضوعية لا بد ان تتوافر لنجاح العملية الانتخابية، أولها نظافة ونزاهة الانتخابات، وثانيها ضمان نسبة معقولة من المشاركة بالتصويت، وثالثها افراز “نوعية” مقبولة من النواب، ورابعها ادامة حالة “الهدوء” على جبهة “الحراكات” في الشارع.
إذا توافرت هذه العوامل فإن الانتخابات ستحظى بشرعية مقبولة نسبياً، لكن هذه “الشرعية” وحدها لا تكفي لاسترداد ثقة الناس بمؤسسات الدولة، ولا لإقناع “الشارع” بالاستسلام للنتيجة، ولا لدفع “الإخوان” وحلفائهم الى التوقف عن الاحتجاج والمطالبة، وبالتالي فإن امامنا فرصة للتفكير “بإجراءات” أخرى خلاقة، اهمها البناء على الانتخابات لإيجاد طاولة حوار وطني، تؤسس لمرحلة انتقالية قصيرة، يخرج فيها “الجميع” عن مواقفهم “المتصلبة” ويتوافقون على انتاج حالة سياسية تضمن اعادة المسار السياسي الى محطة الانطلاق من جديد، بموجب “خطة” محددة موضوعياً وزمانياً، تعكس - بالضرورة - ارادة حقيقية في الإصلاح.
ومن هذا التصور، يمكن اعتبار الانتخابات مرحلة للعبور لا للمواجهة، ولحظة “للتقييم” والمراجعة، لا لتسجيل “الانتصارات” او اشهار الشماتة، كما يمكن اعادة الاعتبار من جديد لمفهوم “تحالف” الجماعة الوطنية بكافة اطيافها، والاعتراف بفشل انتاج “البديل” وخطأ طروحات “الاحلال” بمنطق المناكفة، كما يمكن ايضا الخروج نهائيا من عقلية “الإصلاح بالتقسيط” الى بناء عقلية تتناسب مع حالة “الهجوم” الشعبي التي اجتاحت المنطقة، وتتعامل معه بمنطق “الاصلاح بالصدمة” او “الاصلاح بالجملة” بعيداً عن الهواجس والمخاوف التي لا وزن لها في الواقع.
تجربة الشهر الذي سبق موعد الانتخابات، بما اتسمت به من هدوء نسبي على جبهة “الشارع”، وبرود نسبي على جبهة الانتخابات، تمنحنا فرصة ثمينة للتفكير بما يمكن ان نفعله في اليوم التالي لموعد اجراء الانتخابات، وتضعنا امام “مرآة” تعكس صورتنا الحقيقية.. فهل سنقرؤها بوضوح أم أننا سنهرب مرة اخرى الى الأمام؟ ( الدستور )