هل نستبشر بأجواء المصالحة الفلسطينية ؟!

تم نشره السبت 05 كانون الثّاني / يناير 2013 12:40 صباحاً
هل نستبشر بأجواء المصالحة الفلسطينية ؟!
ياسر الزعاترة

رغم أن الانفراج الذي يتبدى في الضفة الغربية لم يبلغ المستوى المأمول، حيث تتواصل الاعتقالات والاستدعاءات -وإن بوتيرة محدودة- إلا أنه بالإمكان القول إن قدرا من التطور قد حصل في موقف السلطة حيال حركة حماس، الأمر الذي تم على نحو متبادل في شق منه كما هو حال السماح لفتح بإقامة مهرجان لها والذي تابعناه أمس في قطاع غزة بعد السماح لحماس بإقامة مهرجانات في الضفة الغربية.

 

ما ينبغي قوله ابتداءً في سياق الحديث عن المصالحة الفلسطينية إن الانقسام قد حمِّل من الذنوب أكثر بكثير مما يحتمل، فيما جرى تجاهل المشكلة الأكبر التي ترتبت عليه.

 

لقد حمّلوه على سبيل المثال فشل مسار المفاوضات، وقالوا إن الاحتلال قد استفاد من الانقسام عبر الحديث عن غياب الشريك الفلسطيني، فيما يعلم الجميع أن المفاوضات قد مضت منذ بداية أوسلو وحتى قمة كامب ديفيد صيف العام 2000، ولم تأت بنتيجة، فيما فاوض محمود عباس أولمرت ثلاث سنوات وقدم له تنازلات مغرية كما كشفت وثائق التفاوض، إلا أن الأخير لم يجرؤ على اتخاذ قرار نهائي بسبب خوفه من اليمين، بفرض قناعته كما تبدى في كلامه لاحقا بعد تركه السلطة.

 

فشل مسار التفاوض لا صلة له البتة بمسألة الانقسام، وتصاعد الاستيطان والتهويد لا صلة له بها أيضا، بل بغياب المقاومة، وحين كانوا يفاوضون أولمرت، كانت حكومته تسرِّع الاستيطان على نحو لم يسبقها إليه أحد.

 

العبء الأكبر الذي ترتب على الانقسام، واستفاد منه الاحتلال هو ذلك الذي لا تشير إليه دوائر السلطة ممثلا في حالة الإحباط التي نتجت عن الشرخ الذي وقع بين أبناء الشعب الفلسطيني بسبب المقارنة بين فتح وحماس ومساواتهما في الذنوب بعد الحسم العسكري، فضلا عما ترتب على ذلك الحسم العسكري من تشجيع السلطة على استهداف حماس وبرنامج المقاومة في الضفة. في ظل هذه الأجواء البائسة لم يكن بوسع الشارع في الضفة أن يطلق انتفاضة جديدة ردا على ممارسات الاحتلال بسبب شعوره العام بالإحباط، فضلا عن إشغاله عن قصد بحكاية المال والأعمال والاستثمار والرواتب.

 

الآن، هل يمكن القول إن الأجواء الإيجابية التي نعيشها منذ حرب نتنياهو على القطاع وانتصار المقاومة، وتفاعل الضفة الغربية معها، ومن ثم تأييد حماس لخطوة عباس بالذهاب للأمم المتحدة رغم تناقضها مع رؤيتها وبرنامجها؛ هل يمكن القول إن ذلك كله يشكل مؤشرات على قرب المصالحة؟

 

من الصعب الجزم بذلك، فالشيطان دائما يكمن في التفاصيل، والتفاصيل العالقة بين الطرفين في ظل ما يشبه الدولة في قطاع غزة ومثيلتها في الضفة، إلى جانب استحقاقات العلاقة مع الاحتلال وارتهان السلطة لتلك العلاقة، ومعها العلاقة مع المانحين الدوليين، كل ذلك يطرح أسئلة ليس من السهل الإجابة عليها.

 

ما يعنينا في هذا السياق كأناس هاجسنا مصلحة القضية برمتها، وليس مجرد تحقيق مصالحة بين فصيلين، ما يعنينا هو سؤال الأساس الذي ستتم المصالحة على قاعدته، فما نسمعه من طرف السلطة لا يشير البتة إلى أي تفكير بتغيير الإستراتيجية التي يسيرون عليها منذ سنوات طويلة، وها هو صائب عريقات يبشرنا بوجود مبادرات لاستعادة مسار المفاوضات مع الاحتلال، مع أن عاقلا على وجه الأرض لا يقول بأن لدى نتنياهو ما يقدمه لهم أفضل مما قدمه باراك وأولمرت.

 

كل ذلك يعني أن المصالحة ستتم على قاعدة استعادة وحدة سلطة صممت لخدمة الاحتلال عبر انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، وهي سلطة سيبقى رهانها على التفاوض ولا شيء سواه، لأن شعار المقاومة السلمية الذي يطرحه رموزها لا يبدو مقنعا، كونه لا يعني المقاومة السلمية الحقيقية التي تعني اشتباكا مع حواجز الاحتلال وجنوده ومستوطنيه وصولا إلى العصيان المدني، بل مجرد مظاهرات عابرة لا تشكل أي عبء عليه.

 

حلُّ هذه المعضلة لا يكون إلا بإعادة الشعب الفلسطيني إلى موقعه كصاحب ولاية على قضيته، وذلك عبر إعادة تشكيل منظمة التحرير بالانتخاب في الداخل والخارج، فيما تكون السلطة بشقيها مجرد إدارة مدنية تدار بالتوافق، وحين يحدث ذلك لن يقبل الشعب الفلسطيني بغير مسار المقاومة الشاملة في كل الأرض الفلسطينية، والذي يستفيد من أجواء الربيع العربي والتحولات الدولية المعقولة.

 

نفتح قوسا لنشير إلى الخطأ الذي ارتكبه موسى أبو مرزوق حين دعا عباس إلى التهديد بتسليم مفاتيح السلطة لحماس بدل نتنياهو، لكأن عباس في وارد أن يفعل، أو لكأن بوسع حماس أن تكرر فيها تجربة غزة رغم الفارق الكبير بين الحالتين، حيث لا وجود للاحتلال في القطاع الذي لا يُعتبر أصلا من أرض إسرائيل بحسب قناعة الصهاينة.

 

إذا لم تنجح عملية إعادة تشكيل منظمة التحرير، ولم يتفقوا على إدارة توافقية للسلطة، فلن تستفيد القضية من هذه المصالحة، بقدر ما سيستفيد منها نتنياهو بتكريس برنامج السلام الاقتصادي الذي هو عمليا برنامج الدولة المؤقتة، وحين يتحدث تقدير الاستخبارات الأمريكية لعام 2030 عن أن دولة فلسطينية ستكون موجودة في ذلك التاريخ دون حل معضلة القدس واللاجئين (وبوجود الكتل الاستيطانية الكبرى الخاضعة لمعادلة تبادل الأراضي)، فهذا يعني أنهم يدركون طبيعة المسار القائم على حقيقته بعيدا عن الشعارات المعلنة.

 

أملنا الأكبر في ضوء ذلك هو في الشعب الفلسطيني في الضفة الذي يمكنه إنقاذ القضية من متاهتها الراهنة بتفجير انتفاضة تدفع الجميع للانخراط فيها والتوحد في ميدان الفعل كما توحدوا في انتفاضة الأقصى من قبل. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات