الانتخابات ومعركة الصورة

تم نشره الثلاثاء 08 كانون الثّاني / يناير 2013 12:02 صباحاً
الانتخابات ومعركة الصورة
د. رحيّل غرايبة

لقد طغت الصورة على الدعاية الانتخابية في بلادنا، وتحولت الشوارع والميادين إلى معارض صور شخصيَّة، ويلحظ المراقب تنافساً محموماً يجري بين المرشحين حول الصورة، حيث تجلت الابداعات التقنية في عملية الإخراج، حتى يظهر المرشح أكثر شباباً، وأعرض ابتسامة وأبهى طلة، وأكثر حضوراً في عيون المارة.

عندما يمر المواطن عبر دوار الداخلية على سبيل المثال يلحظ معركة الصوّر على أشدها، إلى درجة أن بعض المرشحين يضع عشرين لوحة مكررة في المكان نفسه من أجل احتلال أكبر مساحة ممكنة، ومن أجل تفويت الفرصة على الخصم في المزاحمة على المكان، ومن أجل الاصرار على الحضور المتكرر مرّة ومرة في مخيلة المشاهد، دون بذل أي عناء في التفريق بين صورة وصورة أخرى لا من حيث الشعار ولا من حيث الطرح البرامجي!!

المواطنون لا يرون إلاّ الصور، ولا يكادون يفرّقون بين مرشح وآخر إلاّ من حيث الاختلاف في الأبعاد "العرض والطول" للصورة وفي مقاسات الابتسامة، وعظم الهامة، وفي محاولة تقدير الكلفة المالية للدعاية من حيث القدرة المتفاوتة بين المرشحين على "رشم" الميادين والشوارع وإمطارها بأكبر عدد من " الطلّة البهيّة"، ولو قدّر لبعض الباحثين أن يقوم بدراسة حول ما علق بأذهان المواطنين من فروقات في البرامج والطروحات، فلن يجد شيئاً من ذلك، والله أعلم.

الدعاية الانتخابية في جوهرها العام قائمة على "معركة الصورة" وهي تعبّر عن الواقع السياسي الموجود وتختصر المشهد السياسي القائم على الصورة الذي يعطي جانباً من الحقيقة المرّة التي يجب الاعتراف بها، حيث ما زالت الانتخابات البرلمانية تعاني من تصورات مشوهة وانطباعات ناقصة حول دور البرلماني ودور المجلس النيابي، وتعود بالدولة إلى الخلف، وإلى تلك الحقبة التي كانت تبرز فيها معركة حضور الزعامة، وإثبات الذات بين العشائر والتحالفات والعائلات والأشخاص، وكلها تحاول الامتداد والبحث في سجل الروايات الشعبية حول "لمن كانت الزعامة" على مستوى المنطقة وعلى مستوى البلدة وعلى مستوى العشيرة و الحي!!

الأجيال الجديدة التي دخلت على المعركة الانتخابية، انغمست في المشهد نفسه، ودخلت ميدان التنافس بالأدوات نفسها، والمشاعر المتوارثة نفسها، ولم تستطع تطوير حالة سياسية جديدة، ولم تستطع نقل المجتمع إلى آفاق جديدة من حيث مستويات التنافس ودرجاته ونوعيته، ودخلت معركة الصورة واستغرقت تماماً في مشهد الصورة وتجلياتها.

العامل الأكثر حضوراً في التنافس المحتدم هو "المال والثروة" ولم أقصد على وجه التحديد ما يعرف بالمال السياسي، بل أقصد أن القادمين الجدد إلى لجة التنافس مع الزعامات التاريخية جاءوا على قارب "الثروة" التي تشكل العامل الأهم من عوامل "الوجاهة" التي تتجلى في المظاهر المادية، سواء كانت في طبيعة المنزل وضخامته التي تعكس المستوى المالي، أو نوع السيارة التي يركبها، أو الحفلات التي يقيمها من ولائم وغداءات وعشاءات وقدرة على إحضار المسؤولين الكبار على موائدهم، وتأتي الانتخابات البرلمانية في هذا السياق تماماً، فقد أصبحت سلاحاً، وأداة جديدة من أدوات تكريس الزعامة وحضور الصورة الذي يتجلى في مظاهر الانفاق على المعركة الانتخابية مثل "المقر الانتخابي" من حيث الشكل والمظهر والفخامة، والقدرة على حجز المركبات الكبيرة و المتوسطة، وعدد السيارات العاملة، والمآدب وحفلات الحلويات، ويأتي في هذا السياق الدعاية الانتخابية القائمة على "الصورة". ولا تعتمد على البرامج ولا المضامين والطروحات سوى بعض الشعارات المكررة التي تقوم مقام "الملح" في الطبخة فقط.

الشيء الأهم لدى المرشح أن ينتصر في معركة الحضور وتكريس الزعامة الجديدة، أو استعادة المجد التاريخي القديم، وليس مهماً على الاطلاق الأداء في مجلس النواب، وليس مهماً ذلك الحضور السياسي فيما يتم طرحه من قضايا وطنية أو سياسية أو اجتماعية.

نحن بحاجة إلى وقفة تقويميّة جادة لهذا الوضع البائس الذي يتردى بنا جميعاً إلى الخلف، ولا أمل في الانتقال نحو آفاق جديدة في تطوير شكل الدولة وتحسين أداء مؤسساتها، ونحن نمارس الطريقة القديمة المكررة من أجل الخروج بنتائج جديدة. ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات