نريد «شتوة» سياسية أيضا
كنا بحاجة فعلا الى الايام الاربعة الماضية لكي نعرف انفسنا ونكتشف اوضاعنا، فلقد اتاحت لنا هذه “النعمة” الربانية فرصة لا تتكرر كثيرا لكي نكتشف اين اصبنا وأين اخطأنا؟ كيف نفتح طرقنا وشوارعنا المسدودة وكيف نغلق “المسارب” امام المياه التي تسربت الى بيوتنا ومحلاتنا؟ كيف تلتحم الاطراف الرسمية مع “القوى” الشعبية لاخراج الناس من “العتمة” ومن “الحيرة” والخوف ومن الانقطاع والشعور باليأس والغضب.
لا اتحدث فقط عن “الطقس” وما فعله بنا، وانما اقصد ما فعلته بنا السياسة ايضا على مدى العامين المنصرمين، واذا كان الطقس قد كشف لنا ما فعلناه بأنفسنا، ابتداء من هذا الاهمال الذي تسبب في “غرق” مدننا ومناطقنا الى “الفساد” الذي خرج هذه المرة من “المناهل” وقنوات الصرف الصحي والانفاق، الى اختفاء بعض المسؤولين عن الميدان، فان ما كشفته السياسة ايضا يحتاج الى وقفة اطول، فقد تصورنا لوهلة ان هؤلاء الشباب الذين جددوا حيوية مجتمعنا في حراكاتهم واحتجاجاتهم كانوا يعرفون ما لا يريدونه، لكننا - اليوم - حين رأيناهم في الشوارع ينطلقون لتشكيل “لجان اغاثة” ادركنا انهم يعرفون ما يريدونه ايضا، فهم ليسوا ادوات للهدم فقط، وانما للبناء ايضا، ليسوا مجرد “اصوات” تجلجل في الشارع وانما “فاعلون” حقيقيون اذا ما جد الجد.
حين ندقق ايضا في “الطقس السياسي” الذي اراد البعض ان يبقيه دائما ملبداً بالغيوم والازمات، نكتشف بأن بلدنا لا يحتمل “قيراطا” من الفوضى, فقد غرقنا جميعا في “شتوة” لم تستمر الا بضعة ايام فكيف - لا قدر الله - لو تحولت الى زلزال او عاصفة مثل “ساندي”، والسؤال هنا لا يتعلق بما فعله “الناس” وانما بما فعله بعض المسؤولين الذين يريدون جر البلد الى “الاستعصاء” وبما فعله “الفساد” في بنى المجتمع وبنى الشوارع والمدن، وبما فعله غياب المحاسبة والمساءلة حين تسود لغة “الملاومة” بين اطراف لم تستطع ان تتحمل مسؤولياتها فتوجهت الى تحميل المواطنين اعباء اهمالها وتقاعسها عن العمل.
في مرآة “الشتوة” ال عابرة، على صعوبتها ومرارة شعورنا “بالخيبة” على الاموال التي هدرت لبناء “المصارف” دون ان نرى لها اثراً، وعلى “الايام” الجميلة التي كانت فيها عمان واخواتها يقفن “كالطيور” اسابيع امام موسم “الثلج” والامطار الغزيرة، في تلك المرآة رأينا “سخرية” الاردنيين التي عبرت عن افضل ما لدينا، ورأينا صورة رجل الامن والدفاع المدني والدرك وهم يقومون بواجبهم الانساني، ورأينا صورة “اعلامنا” الحقيقي الذي خرج من زحمة “التمجيد” وتوزيع بطاقات الشكر الى معترك العمل بالتعبير عن نبض الشارع ونقل معاناته ونقد الذين قصروا بحق المجتمع واساءوا لحقوق الناس.
الآن، بوسعنا ان نطالب “بتغيير” الصورة: صورة المجتمع الذي كنا نتهمه “بالنزق” والغضب وعدم التحمل، وصورة “حراكاتنا” التي تحرك شبابها للقيام بواجبهم بعد ان تصورنا بأنهم مجرد اصوات لا تعرف ما تريد، وصورة “الفساد” الذي كنا نتدافع لحصره في الذين سرقوا اموالنا فاذا به أعمق من ذلك، فقد امتد الى هؤلاء الذين سرقوا شوارعنا و”مناهلنا” وانفاقنا وخطوط الكهرباء في بلادنا، وصورة “التقصير” الذي لا يتعلق فقط بالسياسة وانما “بالادارة”: ادارة الطرق والمياه والكهرباء والخدمات. وصورة “المسؤول” الذي يفترض ان يتحمل مسؤوليته وانما يحاسب اذا ما عجز عن القيام بها.
نعم، امامنا فرصة ثمينة للمقاربة بين ما فعلته بنا “ازمة” شتاء عابرة وبين ما فعلته بنا “ازمة” سياسة دائمة، ومع انه من الصعب فك الاشتباك بين الازمتين الا ان ما قدمته لنا الاولى من مخارج يمكن ان يفيدنا في تجاوز الثانية، كما انه ما تركته لنا الاولى من دروس يمكن ان يعيننا في التماس الحلول المناسبة لطي صفحة الاخرى.. فهل بوسعنا ان ننظر مرة اخرى في المرآة لنرى صورتنا في الازمتين؟
وهل بوسعنا ان نطالب “بشتوة” سياسية تكشف ما حاولنا تغطيته طيلة الشهور الماضية؟ ( الدستور )
