عن المخيمات والانتخابات

عن قصد أو من دونه، يجري اختصار الأردنيين من أصول فلسطينية بسكان المخيمات..مع أن المخيمات، الرسمية منها وغير الرسمية، بالكاد تستوعب 18 بالمائة من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في كشوف الأونروا، وهم هنا لاجئو 48 الذين يحملون الجنسية الأردنية..وهناك لاجئون آخرون غير مسجلين على كشوف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بيد أنهم مواطنون وناخبون، فضلا كما هو معروف، عن مئات ألوف الفلسطينيين، من أبناء غزة أو من أبناء الضفة الغربية الذين سحبت جنسياتهم عملاً بتعليمات فك الارتباط (عن حق أو من دونه).
ويجري التعامل مع هذه المخيمات، بوصفها “خزان رخيص” للأصوات..بمقدور من امتلك المال أو الجاه أو السطوة أو “الواسطة” أن يذهب إليه ليغرف ما شاء من الأصوات..ومن قبل كان بمقدور أصحاب المال والجاه والنفوذ، أن ينقّلوا هذه الأصوات حيث طاب لهم الهوى..وحكاية “حافلات” نقل الأصوات التي انطلقت من المخيمات لتجوب أرجاء البلاد في سابق الانتخابات، باتت أكثر من معروفة.
الدولة تستحث سكان المخيمات (في ربع الساعة الأخيرة كدأبها) على المشاركة، لرفع نسب الاقتراع، خشية أن يُحسبَ لتيار المقاطعة، أنه حقق مبتغاه..وهي لهذه الغاية عمدت إلى “توسيط” خالد مشعل لإقناع الإخوان المسلمين بالمشاركة، وعندما تعذر عليه إتمام مهمته في ظل رفض الإخوان للوساطة، لجأت بعض دوائر الدولة إلى السلطة وفتح، علّ وعسى..علماّ أن اللجوء إلى قطبي المعادلة الفلسطيني، وإن جاء بطرق غير مباشرة وغير رسمية، يعد انتهاكاً لمبدأ أساسي اعتمدته الدولة في علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية: عدم التدخل في الشؤون الأردنية الداخلية..لكن يبدو أن الضرورات تبيح المحظورات، وسياسة “العليق عند الغارة”، تفضي إلى هكذا مواقف...والتدخل المرفوض يصبح مقبولاً إن جاء من بوابة الدولة، وليس من بوابة المجتمع أو المجموعات.
لم تيأس الدولة من تكرار المحاولة، طالما أن الهدف هو رفع نسبة الاقتراع ، وتفويت الفرصة على الإخوان وتيار المقاطعة..لجأت إلى “المخاتير” و”الوجاهات التقليدية” التي تآكل دورها في أوساط الفلسطينيين والأردنيين من أصول فلسطينية سواء بسواء..حتى أنني استمعت في بعض الأحياء الشعبية لقصص وشائعات تتحدث عن مخاطر عدم التسجيل وعدم الانتخاب، تحت طائلة الفزّاعة إياها: سحب الرقم الوطني، ولا أدري من هو صاحب “براءة الاختراع” اللئيمة هذه.
وقبل سنوات، جرت محاولة أكثر ذكاء ودهاء..تمثلت في محاولة “صناعة” نخبة جديدة للأردنيين من أصول فلسطينية، حين “تلاقح المال السياسي والتدخل الحكومي” بهدف إيصال نواب ديجيتال إلى البرلمان، يمثلون هذه الشريحة من السكان..ودائماً للقول أن الإخوان ليسوا سوى مجرد حزب له بعض النفوذ في هذه الأوساط، وليس ناطقاً باسمها أو ممثلاً لها.
تعددت المحاولات والهدف واحد: حفز مشاركة الأردنيين من أصول فلسطينية، حتى يتمكن البعض منّا صبيحة الرابع والعشرين من يناير، من إخراج لسانه للإخوان المسلمين، وإطلاق عبارة ألم نقل لكم، أن مقاطعتكم مثل مشاركتكم، لا تقدم ولا تؤخر.
وثمة قصص مروّعة عن نواب هبطوا على دوائر الكثافة السكانية الخاصة بهذه الفئة، وأمكن لهم الفوز بمقاعد عنها، لا لشيء إلا لحاجة أهلها للواسطة و”الكفيل” في ظل ضعف وإضعاف منهجي منظم للنخب السياسية المنبثقة من رحم هذه الدوائر والفئات السكانية..علماً بأن هؤلاء يضمرون ويظهرون في مواقفهم وممارساتهم، أعمق مشاعر الكراهية لهذه الفئة من السكان.
على أية حال، لقد ثبت عقم هذه السياسة، فلكي تقنع هؤلاء الذين اعتادوا تسجيل نسبة اقتراع تراوح ما بين 25 – 30 بالمائة..عليك أن تفعل ما هو أكثر من هذه الخطوات والمبادرات..عليك أن تقنعهم بأنهم مع سائر خلق الله، سواسية أمام القانون..وأن عليهم من الواجبات التي لا تقصر الدولة في الاستحصال عليها، وأن لهم من الحقوق العادلة والمتساوية، ما لا يحق للدولة أن تغمض الأعين عن مصادرتها أو تأجيلها أو الانتقاص منها.
وإلى أن يجري تصحيح الاختلال في علاقة الدولة بهذه الفئة من مواطنيها..وما لم يشعر هؤلاء بأن مواطنتهم ليست ملونة أو مهددة بالتلون بالأصفر والأخضر، فإن كافة الوسائل المتبعة لحفزهم على المشاركة، لن تزيد عن أن تكون وسائل ترقيعية، أو نوعاً من “العليق عند الغارة”...والمسألة هنا لا تتعلق بالإخوان المسلمين، مشاركة أو مقاطعة، فقد ظلت نسب الاقتراع في دوائر أربع في عمان والرصيفة، حيث يقطن ما يزيد عن 30 بالمائة من سكان الأردن، تدور في ذات النطاق الذي أشرنا إليه، بمشاركة الإخوان ومقاطعتهم...القصة أعمق من مجرد مناكفة بين الدولة والإخوان، جذر المشكلة يمكن في اختلال العلاقة بين الدولة وهذه الفئة من مواطنيها.
( الدستور )