"يا حوينتك" يا وطن ...

تم نشره الخميس 17 كانون الثّاني / يناير 2013 03:15 مساءً
"يا حوينتك" يا وطن ...
اشرف محمد الشهاب

..
" حوينه " لمن لا يعرف معناها مثلي ، هي كلمة ليس لها معنى إلا في قاموس عجائزنا ، فعندما ينكسر إناءً نفيسا ، أو نفقد شيئا عزيزا ، تنطلق سريعا كلمة " يا حوينه " من فم عجوز كانت قد حضرت المكان ، تعبيرا منها على هذا المصاب الذي أصاب .
سأعتذر من أمي الخمسينية لسببين ، أولهما أنني أفشيت سرا من أسرارها بأنها واحدة من النساء اللواتي يطلقن كلمة " يا حوينه " بكثرة في مثل المناسبات التي ذكرت آنفا ، وثانيهما أنني اتهمتها بأنها عجوز ، وأضنني هنا على غير عادتي سأحاول جاهدا بأن لا يقع هذا المقال بين يديها حتى لا تسمعني جملة " يا حوينة الحليبات اللي رضعتك اياهن " تعبيرا منها عن غضبها مني لاتهامي لها بأنها عجوز ، عندها سأقول لها بأنها ليست عجوزا ، ولكنها بالتأكيد ورثت هذه الكلمة عن عجوز غيرها ، وأنها لا زالت الى اليوم غير قادرة على نسيانها .
بالأمس القريب كنت مع عائلتي أمام شاشة التلفاز ، نشاهد ما تبثه قنواتنا الإخبارية من أخبار عن مرشحي الانتخابات النيابية للمجلس السابع عشر ، شيئا عن افتتاح مقراتهم ، وشيئا آخر عن شعاراتهم ، وشئيا آخر عن زياراتهم إلى المحافظات المختلفة طلبا للرضى وللأصوات .
ومرغما عني وضعت يدي على خدي وتأملت ، من غير رغبة مني في متابعة المزيد ، ولا مفارقة الجديد ، كنت أسير معركة طاحنة جرت ما بيني وبيني ، فزت فيها في نهاية المطاف على نفسي .
فلان محاط بمئات من الناس يحيطونه من كل الجهات في صورة لا تقل هيبة وجلالا عن زيارة أهم الشخصيات وأعلاها رتبة في البلاد إلى مكان ما . طريقة الكلام ، طريقة السلام ، طريقة اللقاء والوداع لم تدل على أن الناس لا زالوا على خير ، السيارات التي يستقلونها ، والمبالغ التي يدفعونها على حملاتهم الانتخابية شكلت فوق رأسي سحابة كثيفة من الأسئلة التي خرجت من سهرتي وما وجدت إجابة شافية عليها .
خطابات ووعود لا سقف لها ولا حسيب ولا رقيب عليها ، ونحن كعادتنا مستقبلون للحدث متزاحمين أمام المقرات الانتخابية لا نخرج منها إلا وقد أصبحت محاطة بكم هائل من صحون الكنافة وعلب البيبسي والماء الفارغة ، مصفقون بأيدينا إلى من يركلوننا دائما بأرجلهم عندما يصلون إلى ما أرادوا من لقاءاتهم بنا ، وحرمنا بإرادتنا فقير الحال ، عفيف النفس عن السؤال ، المشاركة بالحدث ولو كان أهلا له ، هذا الحدث الذي جعلناه حكرا على من تكرشوا من أموال لا ندري عن مصادرها ، كيف لأمثال هؤلاء أن يشعروا بالبرد والجوع ، فيثأرون تحت القبة لمن جاعوا ويفزعون لهم ، وما يعني لهم رفع أسعار الكهرباء أو الماء أو السولار وهم لا يقصرون أبدا في نثر آلاف وربما ملايين الدنانير في الشارع على ما يسمونه بمسرحية الدعاية الانتخابية الفاشلة ، في استهتار واضح للمشاعر , واستخفاف أوضح بعقول الناس .
سيستمر المسلسل طويلا ، طالما أننا لم نمسك العصا من منتصفها ، فإما العشائرية والعنصرية والرأسمالية التي تنطحنا بقرونها الملتوية دائما ، وإما مقاطعة الانتخابات النيابية مقاطعة لن تسهم إلا في إفراز الأسوأ ، هذا الأسوأ الذي إذا ما استمر على ما هو عليه سيدفعنا يوما ما إلى أن نضرب الكف بالكف ، وأن نقول بحسرة لا تقل عن حسرة أمي " يا حوينتك يا وطن " فيرد علينا صدى صوتنا من بعيد ... اللي مضيع وطن ... وين الوطن يلقاه...!!
بقلم :- اشرف محمد الشهاب

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات