شعبية الحكومة البرلمانية
لا أحد يمكنه المراهنة على شعبيته في الأردن، بهذه الجملة التي تتسع لتحتمل الحياة الحزبية والنشاط السياسي والنظام في آن معا، يمكننا أن نؤسس إلى فهم عميق لاتجاهات الشارع التي من المفترض أن يكون لها انعكاس، باتجاه أية حكومة برلمانية مقبلة.
لسنا هنا في صدد التقييم المبكر لحكومة برلمانية من الممكن أن تظهر في القريب العاجل، لكننا نحاول فهم الاتجاه الشعبي لتجارب الأحزاب يمينا ويسارا ووسط.
بالنظر لتجربة حزب جبهة العمل الاسلامي الشعبية كمثال لليمين، نجد عدد الأعضاء المسجلين في الحزب لا يتجاوز الأربعة آلاف وخمسمائة عضوا، حتى إذا قلنا أن عدد أعضاء الحزب عشرة ألاف "مثلا"، فهذا رقم شحيح جدا على حزب ينظر له باعتباره الحزب الأكبر نفوذا شعبيا في الأردن، لا شك أن الحزب يستمد شعبيته من تعاطف الناس لأسباب عدة أبرزها البعد الديني للحزب، وهذا ما ثبت في الانتخابات الأخيرة عبر تمكن حزب الوسط الاسلامي، من حصد أكبر عدد أعضاء في المجلس المنتخب، وأن يحل بديلا في تفضيلات الناخبين.
ومما لا شك فيه أن اتجاه الشارع الأردني دائما ما يسير بقوة، لتمكين الشخصيات المحسوبة على الإسلام، لأن هذه الشخصيات في نظر الناخب لا بد أن تكون نزيهة، وهي أيضا أملى لضميره من شخصيات أخرى، قد يكون لا يعرفها، أو ينظر لها كشخصيات كانت قريبة أو متورطة بالفساد، وفق عدة معطيات لديه تتعلق بتفشي ظاهرتين الأولى الفساد، وتفشي ثقافة التخوين.
بالنسبة لتجربة حزب التيار الوطني، نجد أن الحزب نخبوي، لا يمثل اتجاه شعبي، وهو يعتد بشخصيات تمكنت من شغر مناصب متقدمة، وفق برنامج معين، فيما يبلغ عدد الأعضاء المسجلين فيه خمسة آلاف، بحسب افصاحات الحزب، وهو رقم جيد لحزب حديث النشأة، لا شك أن الرقم تم تحصيله من خلال سعي الكثيرين من الأعضاء للتسجيل، استظلالا بالشخصيات النافذة التي أسست الحزب، لا على أساس برنامج الحزب. وفي المحصلة، فالرقم أيضا لا يمكن اعتباره طموحا لجهة اعتبار الحزب شعبوي.
بالرغم من أن الحزب؛ حصد أربعة عشر مقعد على القائمة المنفردة، لكن لا يمكن اعتبار أنه تحصّل على هذه المقاعد على أساس برامجي وحزبي، انعكس على قناعة الناخب، ذاك أن التيار الوطني لم يعلن عن أسماء مرشحيه في القائمة المنفردة.
وذهابا إلى اليسار، يمكن معاينة مشهد حزبيْ حشد والوحدة الشعبية، فالأول شارك بالانتخاب انطلاقا من رؤيا أيدولوجية ليس لها أي معول في الشارع، وبالاعتماد على أشخاص تقليديين في العمل الحزبي، وكذلك حزب الوحدة الذي قاطع الانتخابات، الا أنه لا يمكن بأي اعتبار، أن يعد كلا الحزبين من الأحزاب قريبة الفاعلية في حسابات المناخ العام للشارع، لأن الانطلاقات التي ينطلقان منها، ليست بذات بال لدى الشارع.
مما سبق، نرى أن تجربة القوى والأحزاب في الأردن، لا زالت لم تؤسس لأن تعكس توجها شعبيا، أو توجه أغلبية، ليس هنالك أغلبية شعبية يعوّل عليها، تتسم بثبات المسار، لكن يمكن أن يكون هناك حكومة برلمانية توافقية. وليس ائتلافية، ومثل هذه الحكومة ستكون واقعية في ظل المعطيات على الأرض، لجهة أن ممثلي الشعب، ليس لهم منطلقات أو أيدولوجيات موحدة تنظمهم، وتشكل ائتلافات منهم، لتكون انعكاسا للإرادة الشعبية.
عدم وجود هذا الانعكاس، قد يولد علاقة نفعية تجعل من أعضاء المجلس الجديد، يسعون وراء غنائم السلطة، "مناصب، ووظائف، وسفريات، الخ" في ظل عدم وجود مطالب عامة أنتجتها الأكثرية الشعبية.
ولا شك أنه كلما تكونت أكثرية، أصبحت المطالب والآمال أكثر عمومية.