إلغاء امتحان الثانوية العامة
يكثر الحديث عن امتحان الثانوية العامة بين مختلف الأوساط في المملكة، وتختلف الآراء حوله، فهناك من يقول إن هناك الكثير من التجاوزات في هذا الامتحان من تسريب للأسئلة، وعمليات غش جماعية بسبب تهاون المراقبين، وعمليات غش بالقوة، واستخدام تقنيات حديثة في الغش وغير ذلك، ويرى هؤلاء أنه يجب إلغاء الامتحان واستبداله بطرق أخرى لتقييم الطلبة لدخول الجامعات، ومن هنا بات في حكم المؤكد التفكير بامتحان مستوى تقيمه الجامعات بإشراف وزارة التعليم العالي بحيث يحدد مسار دراسة الطالب وتخصصه بعد إنهائه للدراسة في المرحلة الثانوية.
وهناك رأي آخر يرى أن امتحان الثانوية العامة ضروري ومهم لأنه يقود إلى اهتمام الطلبة في المدرسة، ويجعلهم يضعون خططا لتجاوز هذه المرحلة المفصلية ومن خلال ما يمتلكون من قدرات وما يبذلون من جهود، وإن ذلك لا يأتي من الطالب وحده، بل بمساعدة كل من المدرسة والأهل، ويطالب هؤلاء إلى ضبط الامتحان بوسائل مختلفة في حال حدثت تجاوزات ويرفضون إلغاءه والاستعاضة عنه بامتحان المستوى في الجامعة، ويبرر هؤلاء رفضهم لإلغاء الامتحان إلى تخوفهم من عدم قدرة امتحان المستوى من إعطاء كل ذي حق حقه، وحدوث تجاوزات أكبر من التجاوزات الموجودة في امتحان الثانوية أصلا، كالواسطات مثلا، والتحيز، وحرمان أبناء المناطق النائية والفقيرة من الاستفادة من قدراتهم العقلية والأكاديمية في أخذ حقوقهم مقابل أصحاب النفوذ والمال الذين سيرمون بكل ثقلهم لاحتكار بعض التخصصات التي يطمحون لأبنائهم أن يكونوا فيها.
ومن خلال هذين الرأيين يمكننا التفكير مليا في تداعيات بقاء الامتحان أو إلغائه، فإذا ما تم إلغاء الامتحان والاستعاضة عنه بامتحان المستوى في الجامعة، ما مصير التعليم الخاص في مدينة عمان الذي يحوي على نسبة عليا من الطلبة في مدينة عمان؟ وهل وزارة التربية والتعليم قادرة على تأمين الطلبة الذين سيقومون بهجرة معاكسة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية وذلك لتهميش دور المدرسة في تحديد مصير الطالب الأكاديمي المستقبلي؟ ويمكن هنا استذكار عدم استيعاب المدارس الحكومية للأعداد الكبيرة التي قامت بهجرة معاكسة عام 2003 و 2004. ما الذي سيحدث لاتجاهات الطلبة نحو المدرسة التي يدرسون بها؟ وخصوصا أن المدرسة ستفقد آخر ميزة كانت بيدها؟ بعدما افتقدت لتطبيق أنظمة العقاب التي أسيء فهمها؟ فالطالب المسيء يجب أن يعاقب وليس شرطا أن يكون العقاب بالضرب فهو مرفوض تربويا ونفسيا، لكن هناك طرق أخرى في العقاب للحالات تسيء وتمنع عملية التعلم والتعليم من أن تسير وفقا للطرق التربوية الصحيحة، ومن هنا فإن عملية الانضباط المدرسي تعد من أهم المشكلات التي تواجه العملية التعليمية في هذا الوقت على الرغم من السكوت عنها وتغطيتها، وهنا يقول التربويون يجب على المعلم تطبيق الاستراتيجيات التربوية الحديثة التي تنمي التفكير، وأقول لهم كيف يمكن تطبيق استراتيجيات في صف تملؤه الفوضى وعدم احترام النظام والمعلم والعلم لأنه لا يوجد رادع لكل من يسيء.
وإذا ما تم إلغاء الامتحان والاستعاضة عنه بامتحان المستوى في الجامعة، من الذي يضمن عدم دخول الآباء المتنفذين وأصحاب الأموال إلى الساحة لرفع مستوى أبنائهم، وخصوصا أن مجتمعنا فعلا يقوم على الواسطة، وإذا كانت هناك طرق للغش في الامتحان فإن هذه الطرق غالبا ما تكون على مرأى ومسمع الكثير، وسرعان ما تصل إلى أجهزة الإعلام ويتم تداولها بين الناس، أما عندما يكون الأمر متعلق بأبناء المتنفذين وأصحاب الأموال فإن العملية كلها تتم في الخفاء، ولن يتم كشفها بسهولة لأنه سيتم إخراجها بإتقان.
وإذا ما تم إلغاء الامتحان والاستعاضة عنه بامتحان المستوى في الجامعة، ما المستوى الذي سيتم تحديده للجامعات الخاصة مقارنة بالجامعات الحكومية، وهل توجد كوادر مؤهلة للتعامل مع الامتحان من أسئلة تناسب الطلاب في مختلف مناطق المملكة وإدارة الامتحان والمراقبة فيه، ولنعد إلى امتحان الكفاءة الجامعية الذي كان يتم لبعض التخصصات ولنر المشكلات التي واجهته وعدم إدارته بالشكل المطلوب ونتائجه التي طعن فيها وبالتالي تم إلغاؤه.
وإذا تم إبقاء الامتحان على الوضع الحالي، ما مصير ثقة الطلاب وأهلهم في نزاهة الامتحان نتيجة لتكرار الغش وتسريب الأسئلة واقتحام القاعات واستخدام السماعات واستخدام السلاح أحيانا، وكيف ستتحقق العدالة نتيجة لذلك؟ وما مصير الأهل والطلبة الذين يمكثون سنة كاملة بحالة من التوتر والقلق على النتيجة التي ستحدد مصير ابنهم؟إن مشكلات التسريب والغش هي مشكلة إدارية للامتحان، لكن هذا لا يعد مبررا لإلغائه بل لتطويره وضبطه.
يمكن تطوير وسائل الامتحان بحيث يتم من خلال استخدام غرف صفية محوسبة ومجهزة بكاميرات وميكروفونات لكل جهاز حاسوب، وبهذا يتم تجهيز الأسئلة على الجهاز الرئيس الذي سيقوم ببث الأسئلة إلى جميع قاعات الامتحان عند بدء الامتحان ويتم إقفاله عند الانتهاء من الامتحان، وبهذا لا يكون مسؤول عن أسئلة المادة سوى من وضع أسئلتها لأنه هو فقط من يمتلك الرقم السري لها وهو الذي طبعها على البرنامج، وعند بث الأسئلة تكون هناك لجنة بإشراف الوزير على بث الأسئلة لجميع المواقع مع خبراء في الحوسبة لكي لا تحدث قرصنة على الموقع، وهنا يمكن أن تكون الأسئلة مقالية وموضوعية لأن الطالب يمكنه أن يجيب على دفتر الإجابة. ومن مزايا هذه الطريقة أنها ستخلص الوزارة من أجور طباعة الورق وتصويره ونقله ومن التوترات والخوف من تسريبه في حال نقله للمديريات أو المدارس. علما بأن التجربة الأولى للامتحان ينبغي أن تتم من خلال تجريب الوزارة للتطبيق على الامتحانات المدرسية خلال الفصل الدراسي الأول.
وفيما يتعلق بالمراقبين ورؤساء القاعات ودورهم فيجب أن يقوموا بدورهم على أكمل وجه، وذلك من خلال اختيار العاملين ذوي السمعة الجيدة لهذا الدور، كتابة عقد قانوني يوقع عليه كل عضو في العملية يبين فيه ما لهم وما عليهم و الواجبات والعقوبات المترتبة على الإخلال بالواجب علما بأن الكاميرات الموجودة في قاعات الامتحان تساعد على الضبط للطرفين في القاعة. بالإضافة إلى تعريفهم بوسائل الغش الحديثة المستندة إلى التقنيات.
وفيما يتعلق بالحماية الخارجية للقاعات فهي مسؤولية الأمن العام الذي يهيء الفرصة لعدم وجود تشويش، وهنا أعتقد أنه يتوجب سن قانون خاص بعقوبة من يقصد التشويش أو الإخلال بالامتحان من الجهات الخارجية وهذا من مسؤولية مجلس الأمة.
وفي الختام يجب ألا نلغي دور المدرسة بل يجب أن نقوي دورها في ظل الظروف الحالية، ويجب الحفاظ على تميز المملكة بمخرجاتها التعليمية، وأعتقد أن النظام التعليمي ناجح لكنه يحتاج إلى تطوير مستمر
وليس تغيير.