قطع رأس تمثال "المعرّي"

تم نشره الإثنين 18 شباط / فبراير 2013 12:21 صباحاً
قطع رأس تمثال "المعرّي"
د. رحيّل غرايبة

تناقلت وسائل الإعلام خبر إقدام بعض من ينتسب إلى الثورة الشعبية في سورية على قطع رأس تمثال "المعرّي"، فإنّ هذه الحادثة إن صحّت الرواية، تمثل إساءة بالغة لثورة الشعب السّوري وهديّة ثمينة إلى خصوم الثورة والنظام، وتمثل طعنة نجلاء في صميم العمل الإسلامي الحديث كلّه، وخاصّة على الصعيد السياسي، وعلى صعيد مسارات الإصلاح والتغيير التي اتخذت منهجاً شعبياً تشاركيّاً بين جميع مكونات المجتمع، وبمشاركة أغلب القوى السياسية الفاعلة في كثيرٍ من الأقطار العربية والإسلاميّة.

إقدام بعض الأطراف الإسلاميّة الثوريّة المتشدّدة على قطع رأس تمثال أبي العلاء المعرّي في سورية، كما أقدم بعضهم سابقاً على تدمير التماثيل في أفغانستان، وكما يتمّ الآن تدمير أضرحة بعض الصالحين والأولياء في ليبيا وبعض الدول الأفريقية، إنّما يمثل خللاً كبيراً في الفهم لدى هؤلاء، ويمثل مظهراً من مظاهر التدين الشكلي الذي يقف على الأشكال والظواهر السطحيّة التي تناقض المفهوم العقدي العميق الذي يغزو العقول والقلوب بخطاب المحاججة بالبراهين والأدلّة وحسن المنطق وجمال الأسلوب الذي يخلو من كلّ مظاهر العنف وأساليب الإكراه، والعنف اللفظي فضلاً عن العنف السلوكي والفعلي.

الحادثة الوحيدة التي تعتمد عليها هذه الفئة من بعض الأطراف السلفية الثورية، هو حادثة تحطيم الأصنام في "الكعبة" يوم فتح مكة بعد مرور ثلاثة وعشرين عاماً على البعثة النبوية، ولا يدري هؤلاء أنّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بقي يدعو الناس ثلاثة عشر عاماً في مكة، ولم يتعرض لهذه الأصنام التي كانت تملأ جوف الكعبة وما حولها، وكانت ترمز للآلهة الموهومة ويتوجه إليها الناس بالعبادة والتوسل، ويقدمون لها القرابين والذبائح والنذر، فلا مقارنة ولا قياس مطلقاً بين هذا وذاك.

عمد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى مخاطبة عقول الناس، ووجدانهم حتى استطاع أن يمحو أثر الأصنام من أعماق نفوسهم أولاً، وهذا هو المسلك الصحيح في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك وصفه القرآن الكريم {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك}، بمعنى شديد الوضوح لكل صاحب عقلٍ ورشد أنّ الرسول يحتاج إلى التواضع واللين وحسن المعشر وحسن المدخل وحسن المخرج وجمال الخطاب وهو يبلّغ الوحي الصادق عن ربّ العالمين، فلا بدّ من اجتماع الحق وصدق الخطاب مع عظيم الخلق والسلوك الرحيم حتى يحقق النجاح المطلوب، فكيف بالآخرين من الذين يتصرفون باجتهاداتهم أو اجتهادات غيرهم من البشر.

لقد دخلت أغلب شعوب المنطقة في الإسلام طوعاً، وقامت دول وامبراطوريات إسلامية متتابعة ابتداءً من حكم الراشدين إلى الأمويّين ثمّ العباسيين والغرنويين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، فلم نجد أحداً أثار حرباً على آثار الأمم الغابرة، المليئة بالتماثيل منذ ما قبل الميلاد وما زالت موجودة حتى يومنا هذا.

إنّ كثيراً ممّن ينتسب إلى بعض حركات الإصلاح والتغيير الإسلامي يظنّ أنّه يخدم الإسلام والأمّة الإسلامية بهذا النوع من التصرفات والسلوكيات العنفية على بعض المظاهر والشكليات السطحيّة، ولكنّه في حقيقة الأمر يسيء إلى إسلامه وأمّته، ويفتعل معركة خاسرة شكلاً ومضموناً، ولم يحسن الفهم ولم يحسن الدعوة ولم يحسن الخطاب ولم يحسن السلوك!!.

الإسلام يحتاج إلى فهم وفقه، وعقل وذكاء، وعلم وثقافة، وبعد نظر وقدرة على التعامل مع نفوس البشر، ويحتاج إلى دعاة يمتلكون أعلى درجات اللطف واللين والتواضع وخفض الجناح، وتعلّم أحسن الألفاظ وأجمل العبارات، وتعلّم فنون الحوار وأدب الخطاب، الذي يفيض احتراماً وتقديراً للرأي الآخر وإن كان مخالفاً، لمن أراد أن يتعبد الله في السير بطريق الإصلاح والتغيير والدعوة، وإلاّ فليجلس في بيته وليرح الناس من شرّه، وصلى الله على النبي القائل: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، ويفهم من هذا الحديث أن من لا يستطيع أن يفعل خيراً في سلوكه ودعوته، فجلوسه في بيته أنفع لدينه وأمّته؛ لأنّ ضرره أكبر من نفعه.

( العرب اليوم ) 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات